قصة قصيرة بقلم :
سلمى صوفاناتي
نسج الربيع ثوبا من خيوط الشمس .. وزينه بابهى واحلى الحلل .. كانت الورود مبلله بقطرات الندى .. وكان عبيرها يفوح في ارجاء البستان .. ليضفي عليه جوا شاعريا .. تجلت جماليته بازهار الجوري والياسمين وشقائق النعمان .. وقفت اتفيء،تحت ظل احدى الاشجار المزهره .. تمعنت في اغصانها الطريه .. التي انسجمت مع عناقيد الزهور المتدليه .. فبدت كاكليل العروس المصنوع باتقان ملحوظ ليزيدها بهجه وجمالا .. وبينما كنت هائما في ملكوت الله اتامل بدائع خلقه .. وروائع صنعه .. واذا بي المح جدي العجوز قادما من الجهه الشرقيه للبستان .. كان جسده يتصبب عرقا من عناء العمل بداب وجد .. فغدت قطرات العرق المتساقطه على جبينه الاسمر .. تماما كحبات اللؤلؤ المنثور .. اما قميصه المهترئ فقد ارتفعت اكمامه الى حيث الاكواع .. لتظهر يداه السمراوتان اللتان ازدادتا خشونه وصلابه .. بالرغم من الشقوق الصغيره التي اخذت تتسع من جراء العمل المتواصل .. كان يرتدي سروالا اسودا تاكلت اطرافه بعد ان غطته الاتربه والمياه .. هو ذا جدي .. الذي قضى سنين عمره في خدمه هذه الارض المعطاء .. والتي تحولت بفضل عزيمته وسواعده السمراء .. من ارض جرداء قاحله .. الى روضه غناء من رياض الجنه .. بعد ان اينعت ثمارها .. واخضل عشبها .. تقدم جدي بضع خطوات واحنى ظهره ليلتقط عصاه المصنوعه من الخيزران .. والتي كانت ملقاه فوق كومه من القش والحنطه .. ثم دنا مني الهوينه .. حتى لامست عصاه كتفي .. تنهد قليلا ثم قال بصوت لايكاد يخلو من الخشونه .. متى ستكبر ايها الفتى المدلل لتتابع مسيره جدك الهرم ..؟ تاملت مليا في معالم وجهه السمح وكاني اراه لاول مره .. كانت الخطوط الدقيقه التي ارتسمت على خديه كافيه كي تمرر امام ناظري شريط حياته الذاخر بالعطاء .. تماما كالبساط الذي يسحبه مارد عملاق .. تبسم جدي واخذ يربت على كتفي الغص .. اطرق قليلا ثم قال : انما الامنيات امر وتحقيقها امر اخر .. اليس كذلك ؟ تجمدت في مكاني دون ان انطق بايه كلمه .. بينما تابع جدي حديثه قائلا : على هذا البساط الاخضر كنت انساب كريشه عصفور منذ سنوات متاكله .. الا انها لازالت محفوره في ذاكرتي لتجعلني اعيش في اجواء مفعمه بالهدوء والسكينه .. وارتمي في احضان ماض حميم .. فتحت ظلال تلك الاشجار .. اعتدت ان احتسي كوبا من الشاي الساخن عند بذوغ شمس الصباح .. لقد كانت جدتك الراحله تعده لي مع قطع من الجبن الشهي .. اضافه الى بضعه ارغفه طازجه تقوم بخبزها دون استعانه باحد .. كانت اياما لاتنسى .. غاب جدي في شرود قصير ثم سار متكئا على ذراعي .. وحين وصلنا الى طرف البستان .. جلس على صخره متعرجه تغطيها بعض الطحالب .. ثم قال : كنت قد عقدت العزم على ان ابذل الغالي والرخيص في سبيل الحفاظ على هذه الارض الطيبه .. وعندما زرعت فيها بذار حبي ورعايتي .. انبتت ورعت لي زهور الرضا والقبول .. ثم تجلت جماليتها حين اينعت ثمارها واخضل عشبها .. قلت له : زدني ياجدي .. واسقني من كؤوس خبرتك .. لتنبت بذور حبك في ارجاء قلبي .. وترسخ ارشاداتك القيمه في جذور عقلي .. صاح جدي : انما الماء الراكد ياسن ويتغير طعمه .. لكن اذا جرى وسرى طاب وعذب .. ضحكنا بصوت مرتفع .. وغرقنا في حديث مطول .. لم نتوقف عنه الا حين فاجانا الغروب وبدا يخلع ثوب النهار ليرتدي حله الليل السوداء ..
Discussion about this post