” تراجيديا ” بقلم كمال المبروك
بقلم كمال المبروك.
” تراجيديا ”
دخلت مطعم “العم حمادي” لأتناول صحفة لبلابي “فالطقس هذا الشتاء شديد البرودة. واللبلابي كفيل بأن يبعث الدفئ في الأجساد و ينسيك قساوة البرد. رغم أنّك بالداخل مع العديد من الزبائن تتلهَّى عن العالم الخارجي بالأكل فإنّك تتابع ضراوة هذا الفصل من خلال المذياع الذي لا يكفّ عن الإعلان عن درجات الحرارة ، وتساقط الثلوج في الشمال الغربي و الفيضانات. لكنّك لا تَملّ هذه النّشرات التي تتخلّلها أنغام موسيقية صباحية أحسن مقدّمو الإذاعة في هذا التوقيت اختيارها.
مع جوّ الموسيقى والأنغام لا يكفّ “العم حمادي” “عن الحديث. فكلامه لا ينتهي وقصصه أبطالها حقيقيون. أبطال دافعوا عن البلاد بدمائهم، يفخر أنّه شارك معهم في الحرب ضدّ الإستعمار. وأنّه سيظلّ دائما شابّا لانّه لم يمت في الحرب. فهو إلى اليوم لم يعرف طبيبا ولا يؤمن بغير” الغذاء العربي” ويقصد بالغذاء العربي كل ماهو طبيعي من زيت الزيتون من المعصرة. و”الدجاج العربي” غير غير دجاج” الماكينة” الباهت لونه… ولعلّ طرافة حديثه وابتساماته الصباحية أكثر ما يشدّني إلى محلّه.
هذا المحلّ الذي كان في عهد الإستعمار حانة. إكتراه بعد الإستقلال وحوّله إلي مطعم شعبي. أضافت طباع “العم حمّادي” الظريفة إلى أكلته التي لا تجدها في أفخر المطاعم بالعاصمة نكهة خاصة. لذلك فأنت لا تستغرب مزاجه الذي أضحى طبعا من طباعه. لكنْ ضحكاته هذاالصباح لفتت انتباه الجميع. فقد إستلقي إلى الخلف ضاحكا وكاد يسقط ودموعه تسيل على وجنتيه متدفْقة كانْما لم يعبأ بالحضور. ثمّ وقف ثانية وأشار بإصبعه إلى ورقة الجريدة التي أخذها للفّ الكسكروت وقرأ بصوت مرتفع ومتقطّع تتخلّله قهقهات بدت بدون سبب للأغلبية :”من السهل أن تثير الشفقة ،أن تذرف الدموع حزنا، لكن من الأصعب أن تضحك مرارة، فتقضّك المأساة إلى حدْ البكاء”
تعجّبت استهزاء العم حمّادي من هذه الجملة. أخذت الورقة وأعدت قراءتها ثم سألته
:_”أ أضحكك تقديم كتاب التراجيديا إلى هذه الدرجة “فأجاب.
” _لم يضحكني التقديم، إنما البصل”
_” البصل!!! و ماذ تقصد؟ ”
لو قطّع كاتب هذا الأثر يوما البصل، لأدرك أنّه على خطأ، ستسيل دموعه وابلا دون حاجة لتراجيديا.”
بقلم كمال المبروك
(الخليدية /تونس)
Discussion about this post