التغيّير الواعي وحكمته …
مهندس باسل كويفي ..
لا يمكن أن يكون الإنكار طريقاً للبناء بل هو سبيل حتمي إلى الفناء والتدهور والتصحر بكل معانيهم ،
فمن لا يراجع اخطائه ليس قادراً على تقويم مُعوّج ، وترتيب مُبعثر ، وإبداع أي جديد .
ثمة خيط رفيع بين النرجسية وحب الذات المقبول وبين الثقة بالذات التي تعطي الإنسان التوازن الذي يحتاجه في الحياة دون التأثير سلباً على علاقاته الإنسانية. والنجاح والجمال .
التغيير الحكيم يحتاج الى تامين غطاء ثقافي – اجتماعي – سياسي لتطبيع المجتمع وفق ثقافة الحقوق والواجبات التي من شأنها النهوض بالمجتمع والدفع بالعجلة الانتاجية الرافدة للاقتصاد مع الأخذ بعين الاعتبار التنمية المستدامة والمتوازنة وفق مسار واقعي يستند الى احصائيات فعلية تلحظ الموارد المتوفرة من الانتاج الزراعي والصناعي والسياحي والثروات الباطنية .. من جهة والقدرات والكفاءات البشرية والخبرة من جهة اخرى ، مع الاشارة الى توسيع صلاحيات الادارات المحلية المنتخبة بشفافية والخاضعة لاختيار المواطنين أصحاب المصلحة الحقيقية في انتخاب ممثليهم وتعزيز نهج محاسبتهم عبر الانتخابات ورقابة المجتمع المدني ضمن مساحة اللامركزية الادارية .
ولكن لا تكتمل الديمقراطية بمعناها السياسي الاّ بوجود الديمقراطية الإدارية، أو ديمقراطية الادارة فالمشاركة والاطلاع على المعلومات لا تتوقف على العملية البرلمانية وانما يجب ان تمتد لأنشطة الادارة أيضاً ، وتعزيز مبدأ شفافية ادارة الشؤون العامة عبر الحد من مبدأ السرية في اعمال الادارة لصالح حرية الاطلاع على المعلومات والتشاركية ( عدا العسكرية وما يخص الأمن القومي )
وهنا تأتي اهمية دراسة السلوك الانساني والبحث فيه ، مما يسهل معالجة المشكلات الاجتماعية والنفسية في المجتمع .
كما ان فهم السلوك يُسهم في تقوية المهارات الشخصية للانسان فتُمكنه من تعزيز مهاراته الشخصية مثل التحفيز والتعاطف ، فبعد أن يتم تحديد الخلل يتم العمل على إصلاحه، ودراسة السلوك مهمة ايضاً لوضع الاشخاص المناسبين في الوظائف المناسبة لقدراتهم النفسية وهذا ما تعمل به المؤسسات الرصينة ذات الكفاءة العالية .
وينعكس هذا الفعل ، بالانزياح على مستوى الدولة، فكل إنجازاتها التراكمية تمنحها حضوراً عالمياً وتثميناً لدورها الاقليمي و الدولي نظراً لأن الدولة هي مجموعة من العلاقات البشرية المتواشجة بعضها مع بعض، وعنصرها الرئيس هو المواطن الذي أسهم في تراكم تلك الإنجازات بما لديه من مثابرة وإمكانات وتسهيلات ورعاية، وما تحققه دولته من رفعة يكون هو الصانع لذلك المجد ، عبر إعادة البناء الادراكي والمعرفي .
المرحلة المعاصرة من حياتنا في هذا العالم تتسم بسرعة التغيير والتطور سواء على صعيد الأفراد، المؤسسات والمجتمعات، مما يجعل الأدوار المناطة على الجميع مهمة وفي غاية الدقة والحساسية، ويتعاظم هذا الدور عند الحديث عن الرافعة الاستراتيجية للأفراد والمجتمعات ممثلا بالمؤسسات ( الحكومية وغير الحكومية ) الحاضنة الاساسية للرقي والنهضة والتطوير وتحقيق التغيّير الواعي والهادف وبناء الإنسان وفق نموذج متكامل من القيّم والمهارات والسمّات.
وتُعد إدارة التغيير وفق إرادة صنع القرار ، عملاً مؤسسياً شاملاً متكاملاً يقوم على التخطيط الواعي لإجراء التغيير المتوازن والمنتظم للمؤسسات ، بهدف الإرتقاء بمستوى الأداء وبناء منظومة متكاملة قادرة على العمل بكفاءة وفاعلية في مجتمع يؤمن وقادر على صناعة مؤسسة تدرس الماضي جيدا وتقرأ الواقع بعناية وترسم معالم المستقبل الأفضل .
في دولة موحدة لامركزية ادارية – ديموقراطية توافقية – ذات اسس ثابتة بمفهوم المواطنة والمساواة وسيادة القانون – نظام الحكم فيها ( يتم اختياره من الشعب ويرسخه دستور حضاري حديث .. رئاسي -برلماني – مختلط ) تتوزع فيه السلطات دون تداخل ، البرلمان يتشكل من غرفتين مجلس النواب ( مثقفين ..) ومجلس الحكماء ( وجهاء وشخصيات وطنية ..) ضمن قانون انتخابي شفاف خاضع للمراقبة يتم من خلاله اختيار ممثلي الشعب وفق قوائم ( يتم تحديدها آليتها لاحقًا .. نسبية ، فردية ..) تؤمن وتعّزز
تنافسية الاحزاب السياسية ورقابة وفعّالية المجتمع المدني في مساحة واسعة من الحريات ( فردية وجماعية واعلامية ..) لا تنال من حريات الاخرين شركاء البلد الواحد ، والتي تتسع لكل بناتها وأبنائها على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم الفكرية والسياسية، تساهم في الانتقال نحو المسار الوطني الديموقراطي المنفتح اقتصادياً والمتسامح سياسياً والمتماسك اجتماعياً والمُتجّذر والمُتجدد ثقافياً ؛ لبناء دولة حديثة تسير بخطى ثابته على طريق النماء والرخاء ، وتُشكل ثقلاً ودوراً إيجابياً مرناً فعّالاً في محيطها الاقليمي والدولي .
إن كل محاولات الاتفاق على لغة عالمية واحدة ( الانجليزية مثلاً ) باءت بالفشل ، فاختلاف الثقافات والحضارات انعكاس حقيقي على الشعوب ، ولا يمكن اعتبار سوى الفنون بالقاسم المشترك للتواصل والتشبيك بين الثقافات سواء كانت تعبيرية او تأثيرية أو ايقاعية ، فهو لغة من لا لغة له وبالتالي فالذين يستمعون إلى الأنغام التركية أو الفارسية وموشحات عربية و أندلسية ، يكتشفون أنها صادرة عن ثقافات متجاورة وحضارات متقاربة ، وهو أصدق دلالة من انعكاسه على الحياة وتعزيز الشعور بالولاء والانتماء في وقت واحد.
إن تغيير قواعد اللعبة السياسية العالمية والمحلية من جانب القوى الكبرى ووكلاءهم ، يحتاج وقت للتجهيز والتحضير له ليظهر بالشكل المناسب المقبول بالنسبة للشعوب المغيبة ، مع النظر الى أن قواعد تغيير اللعبة قد بدأت منذ طرح مشروع الشرق الاوسط الكبير وما تبعه من ثورات وحروب في المنطقة والعملية العسكرية الروسية في اوكرانيا
حيث وصف الرئيس الأميركي جو بايدن العقد الحالي بالعقد الحاسم، ما يعني بداية حقبة ما بعد الحرب الباردة والتي قد يتفكك فيها النظام العالمي السائد من قبل الدول الاكثر تضرراً بالهيمنة الامريكية ( روسيا والصين والشرق بشكل عام ) .
وقد تفضي الى إنتقال الأوضاع إلي مرحلة جديدة متقدمة .
عندما نحترم ونمتلك حرية التعبير عن الرأي وحق الاختلاف ، يمكننا القول اننا بدأنا الخطوة الأولى في طريق النهوض والخروج الآمن من المآسي والازمات ، ولن يتم إلا عبر حوار جدّي وحقيقي بين مختلف الاطراف يفضي الى سلام واستقرار وازدهار باتت منطقتنا بأشد الحاجة اليه .
وختاماً ، نقول حتى ولو اهتزت أجسادنا قليلاً ونحن سائرون على طريق وعر بسبب ما يلقونه من عقبات وأحجار أمامنا ، فلن ندع أجسادنا تسقط أبداً ، وسنجعل من اهتزازها طاقةً جديدة تدفعنا الى التنوير والنهوض .
والى لقاء آخر …
مهندس باسل كويفي ..
Discussion about this post