اصبح الكذب مثل شمس النهار
ليلى كافي
أصبح الكذب مثل شمس النّهار يتسكّع في الشّوارع،يُطلّ على النّوافذ،يدخل المنازل،يسكن العقل ويُملِي عليه ما سيقوله… هاهو يلتحف بِرِدَاءٍ سرقه من الصّدق بعد أن دخل هذا الأخير ليستحمّ… -“ماذا تُريد منّي؟”…سألته وقد أطلّ عليّ من النافذة. -أجاب وقد أشاح بوجهه عنّي:”أريدكِ أن تتركيني أرحل،…لِمَ تُصرّين على سجني بين حروفكِ كل يوم؟لِمَ ترسمين الكون جميلا؟لِمَ تُلوّنين الحياة بألوان زاهية؟لِمَ يُصدّقكِ الجميع رغم أنّ الأمل سراب في هذا العالم الكئيب؟…سأرحل عنكِ يوما…مللتُ قهوتكِ التي تظنّ أنّها شراب الحياة…أَلَمْ تُدْرِكْ أنّها أصبحت مُجرّد رشفات صباحيّة ينتهي مفعولها ليعود الرّأس إلى آلامه مع أوّل خطوة يخطوها صاحبه خارج منزله؟ أَلَمْ تعلم حروفكِ أنّها تبيع الأوهام للقرّاء مُتدثّرة بمكائدي السّحريّة؟….سأرحل اليوم، واكتبي لهم أنّ العالم عالمان:عالم حياة الحياة وعالم موت الحياة…وأنتَ أيّها البشر تُولد دون أن تختار أمّكَ أو أباكَ،دون أن تختار اسمكَ،دون أن تختار أرضكَ،دون أن تختار عالم الحضيض الذي انتميتَ إليه،…ثمّ تمضي في طريق الحياة دون أن تعلم متى ينتهي هذا الطريق لأنّ البطل في حياتك هو القدر،ذاك الذي يمنحك سيادة نفسك حينا ويجعلكَ عبدا له أحيانا كثيرة لتعود إلى ذاك الصّراع الذي كاد أن يقسم بني البشر إلى قسمين:هل أنتَ مُخيّر أم مُسيّر ؟…تقرأ مُجلّدات لفظها التّاريخ المسكين ولا تطمئنّ نفسكَ،لا تستنتج سوى أنّ البشر درجات،…وأنت أيّها الإنسان لستَ إلا منكوبا اختاره القدر ليكون في العالم السّفلي حيث وُلدتَ لتقرأ عن المبادئ فتُعجَب بها وتخيط منها ثوبا ترتديه إلى أن يهترئ،ولا يتفطّن لوجودك أحد”َ… -صمت الكذبُ قليلا ثم قال لي:”أنا الكذب،أنا بطل هذه الحياة،أفعلُ بكم ما أشاء مهما حاولتم الابتعاد عنّي…وأنتِ يا من تحاولين الكتابة،إنّك تعيشين أوهام كلّ الكتّاب؟تُنمّقين أحاديثكِ،ترسمين السّعادة بالحروف وتُهدِينها لكلّ حالم بحياة أفضل مثلك…ولكن متى ستبدأ هذه الحياة؟؟؟”…
صُدِمْتُ وصُدِمَتْ قهوتي وصُدِمَ كتاب كنتُ أنوي قراءته وللأسف صُدِمَتِ الحياة…أزحتُ الوشاح عن وجه الكذب، فرأيتُ…!!! ويالهول ما رأيتُ!!!رأيتُ رجلا وسيما فاق في الوسامة كلّ الرجال…،لَيْتَ يوسف معنا ليعترف بأنّه فاقه في الجمال… فقلتُ له وقد ارتجّت الأرض تحت قدميّ:”ما أجملكَ أيّها الكذب،دعني أحلم معك حتّى وإن لم تبتسم الحياة”… اِبْتَسَمْتُ لقهوتي وقلتُ لها:”أعلم أنّك تكذبين أحيانا وتخلطين ماءك بِبُنّ مغشوش ولذلك أكتفي برشفاتكِ الأولى وأترككِ”… ثمّ نظرتُ إلى الكتاب قائلة:”أعلم أنّك تكذب عليّ أحيانا حين تروي لي الأوهام وتُصوّر السّراب آمالا،فأبتسم لك كي لا أخسركَ لأنّك أقرب الأصدقاء إلى قلبي”… وأخيرا همستُ لنفسي بِصمت طويل،فأدركتْ أنّني أكتشف كذبها كلّ يوم حين تقول لي:”صباح الحياة” لأنّها تعلم مثلي أنّ الحياة لم تبدأ بعد…كلانا ننتظر أن تبدأ الحياة،تلك الحياة التي لم تأتِ بعد…لكنّني اليوم مُصرّة على الاعتراف بأنّ الكذب اختيار كي نرى الواقع جميلا رغم أنّه لن يُصبح جميلا في عيون الفقراء والمظلومين والمرضى واليائسين،أولئك الذين ينتمون إلى أرض خضراء ووجوههم شاحبة شحوب أشجار الخريف…
__________________________[[ ليلى كافي/تونس ]]
Discussion about this post