حملتني قافلة الهجرة داخل وطني في قطارها تحت مسمّى التّهجير، فيمّمتُ وجهي نحو قِبلةٍ آمنةٍ هربًا من عَنْتَرَةِ صراع القبائل الجاهليّة في عصر الانتصارات الوهميّة، أجرّ خلفي أحلامي الّتي لمّا أستيقظ منها ، وأجرجر خيبة فشل سياسيّين أخطؤوا في حماية اللّبنايّين من براثن العابثين.
واستقرّت بي الحال في منطقة جبليّة يتربّع شموخ حرمون فوق روابيها، ويغفو القمر في مآقيها.. إنّها بلدة “مرجعيون” العريقة بثقافة أهلها المقيمين والمهاجرين.
حملتني الأقدار إلى تلك الدّيار أبحث عن مأوًى ليلَ نهار، ولِدَماثة خُلُق أهلها فتحوا لنا أبوابَ بيوتهم المنتظِرَة عودة أبنائها العامليّين المغادرين والمهاجرين، بحكم الظّروف الاجتماعيّة والأوضاع الأمنيّة.
ولَمّا كان زوجي الأستاذ “كريم حرفوش” قد عُيّن مفتّشًا تربويّا في منطقة الجنوب العامليّة، وحيث كانت تربطه علاقة صداقة أدبيّة وقرابة عائليّة بشاعر الحداثة “الياس لحّود” والشّاعر والأديب “جورج جرداق” استقرّت بنا الحال ضيوفًا مكرّمين في منزل الشّاعر “فؤاد جرداق” الذي يفوح منه عطر الكلمة ونبض الشّعر والأدب، كيف لا وهو البيت الذي ولد وترعرع فيه الأخوان: الأديب “جورج جرداق” والشّاعر “فؤاد جرداق” الّذي كانت سيرة نضال قلمه الشّعريّ العامليّ على كلّ شفة ولسان، ممّا دفعني في ذلك الحين إلى اتّخاذ سيرته موضوعًا لرسالتي في الدّراسات العليا، حيث كنت لا أزال أتابع تحصيلي العلميّ على الرغم من مشقّات العبور على الحواجز…
هذا ولم يبخل نجل الشّاعر الأديب “وسام جرداق” بوضع مخطوطات والده المكتوبة بالرّيشة بين يديّ.
وبعد جهد جهيد وصبر عنيد، تمّت مناقشة رسالتي على يد المشرف عميد الجامعة اللّبنانيّة الدّكتور “خليل بو جهجه” والّتي تخطّت الأربعمائة صفحة، لغزارة معلوماتها وشموليّتها، ومع ذلك لم تفِ الشّاعر حقّه، ونلت عليها تنويهًا، وكان لها صداها، وأُدرج خبرها في الصّحف آنذاك.
وبقي كتابي تسعة عشر عامًا مرجعًا من المراجع في أدراج فروع الجامعة اللّبنانيّة، إلى أنْ أبصر النّور خارجها في أستراليا على يد عميد النّهضة الاغترابيّة اللّبنانيّة الثّانية الفيلسوف والأديب والشّاعر جميل ميلاد الدّويهي الذي تبنّى إصداره بعناية مشروعه الأدبيّ”أفكار اغترابيّة” للأدب الرّاقي
سيدني 2021 خدمة للّغة الأمّ وللثّقافة العربيّة، ثمّ أرسل إليّ بعض النّسخ عبر ميناء طرابلس وذلك كهديّة منه مستوفية كامل الرّسوم الجمركيّة.
فإنّني ومن هذا المنبر الفايسبوكيّ أتقدّم بالشّكر الجزيل من الدّكتور “جميل ميلاد الدّويهيّ” Jamil Milad _El Douaihi لاحتضانه كتابي وتبنّيه له ومساهمته في إصداره ضمن مشروعه الّذي يليق الفخر به، وهو يُعدّ من أعظم الفتوحات العربيّة الأدبيّة واللّغويّة والثّقافيّة في عالم الاغتراب.
والشّكر موصول للدّكتور الشّاعر والأديب “جوزيف الجميّل” Joseph Gemayel
الدّمث الخلق الّذي كان صلة المعرفة بيننا. ويحضرني الآن من ديواني: “خواطر” هذه العبارة:
“مَن يُقدّم رغيفًا يُشبع معدةً، أمّا مَن يُقدّم كتابًا فإنّه يُشبع عقولًا”.
بقلم عايدة قزحيّا
Discussion about this post