جمعت كتبي وكراكيش عمري ليلا ووضعتها في صندوق خشبي إشتريته من بازار معرتمصرين يوما ما وقلت في سر نفسي يومها إنه يشبه صندوق إمي التي تخزن فيه طيبها وماسورة كحلها وبعض من شوالحها ورائحة أنفاسها المعتقه ومنديلها و كومة احلام سقطت من عيونها وهي ترتب متاعها.
حملت الصندوق بين زراعي ..كهرة تحمل أبناؤها وتخفيهم عن طفل مشاغب ودحشته في غرفة الكراكيب ..
إنها غرفة الاشياء المنسيه تشبه حالة مدينه يشد عنقها حاكم جائر وضع تلك المدينه في مصنف المنسيات .
وفصائل متناحره تأكل المدينة وابناءها بإسم الحريه .
ليلتها لم أنم طوال الليل فحصى القلق رسمت دوائر لا متناهيه من الحيرة فوق سطح مياه روحي .
موعد سرفيس بن دنوني الساعه الخامسه ليقشط جلد أيامي عن عظم بيتي وداليتي ونافورتي وخزانتي.. عن الكرسي الخشبي الذي صرعته من كثرة الاهتزاز والميلان على أنغام كل الجميلات اللآتي تسلقن قلبي ..
عن قميص إبني الذي أعطره يوميا وأنتظر مجيئه من مخالب صيدنايا ..عن بقعة الدهان التي شرشرت إثر قذيفة هاون شلفها ولد متهور بدواعي الدفاع عني .
عن مخادعي وهي تمد لسانها من ثقب سقف البيت ..عن سلم مكسور بعض من درجاته فصرعتني زوجتي كي أصلحه منذ عام وما زالت تنتظر. .
عن كومة صباحات من هناااك آخر الحاره وهنا .. عن جلسة متة مبللة ثيابها بالشعير وقماط يزنر الضحكات التي شرشرت من الأصحاب ..
عن بيت عتيق ..عتيق كعتق النبيذ والزيت في جراري الفخار ..عن بيت جدي حج حسن الذي مرض من بياخات جل القوم فسلخه عصب كف فوق نقرته فأصابه مس من العصبيه وتلبسته بعض الجنيات ولم تغادره إلى أن فارق الحياة ..
فإستلمت راية البيت ستي الحجه كاتبه فسلخت جلد الانوثه عن عظم دلالها وغنجها ورمت بهم خلف باب الليوان .
الليوان هو منزل سيارات ذاك الزمن من دواب وعلفها . كان بجانبه مستودع يحمل في العام مرتين .. بطن من زيت وزيتون وبطن آخر من حبوب .. هنا رمت أنوثتها وإستلمت الرايه فكانت أخت الرجال ..
الباب كبير في جوفه باب صغير فكل العائله تجتمع في ذاك البيت تخبط ارواحه خيطان المحبه واللعب وفم التنور الذي لا تنطفئ ناره ..
الساعه الخامسه ..
زمور بن دنوني ينقر دهشتي فأدس خزلاني من كثير كثير من أبناء عشيرتي في جيب القهر والحزن وأمشي مثقل الحنين والعتب والكره ..مثقل من حبوب المجهول الذي يتأبط تفكيري ..
تحنطت ايامي وأحاسيسي ..تحنطت مشاعري وخلط زيت القلب مع ماءه فتعطل وإنطلقت أدخل الحدود التركيه كلص متوجس من أي فرقعة تولد عن خزان الخوف الذي يسكنه ..
كل شيئ ينتمي للحب وللإنسان ولبني البشر دخل الفريزة أو الثلاجه او البراد أو أي شيئ يجعله جامد مكتف الروح .. ثلاجة إنسانيتي تجمدت وأضحى لون جلدها أزرق مثل ماء البحر الذي عبرناه وهو فاغر فاه مكشر عن مخالبه وأضراسه التي يتوعدنا أنه سيعركنا بينها ويبلعنا ولن يفرزنا حتى ولو مخلفات ..
فمخلفاتنا لا قيمة لها كأعمارنا وجنسنا وترتيبنا في قواميس الكون .
كنا لا ندفع شيئ بأثمن الاشياء .. يوما ما تأتينا بالمجان ..ولا نشعر بقيمتها إلا بعد ذوبانها بماء التشرد ومحراك الفراق كاالأخوة والأصدقاء والجيران والحاره فأصبحنا ندفع الكثير على أشياء لا قيمة لها الآن.
وتزحف الايام كسلحفاة إشتعل رأسها بياضا وكليل طويل بائن الطول كل وجهه شحوار أسود كحياتنا وأنظمتنا ..
إنها الحرب والغربه والشتات ملئت الخابة حزنا وكادت أن تقرض أصابع ما تبقى من حياتنا فرفست تلك الخابه بقدم اللامبالاة منذ أول ساعه وأصاب الخابة والجرن شعر وكسر في أسفل بطنها ليتسرب منها زيت الحزن لحظة بلحظه .
لو عشت مع نفسي عام بأكمله أتناول أطراف الحديث مع شخصيات أرسمها على ميزاجي وبالطول والمقاس الذي أريده لن أضجر..
وكثيرا أغض الطرف عن بني أترابي وكثيرا لا أرد على رسائل لا كرها بل محبة ووفاء لمن معي من الشخصيات التي تؤنسني ولا أرضى بديلا عنها أي ثمن . وكل الاسلاك التي تمتد من قلبي مقطوعة الأوصال وليس هناك أية دارة إلا مع قلة قليله تغنيني عن كثرة .. كغثاء السيل وزبد تشرب من مستنقع القال والقيل وتسلق طريق في كل واد يميل .. برودة حتى النخاع .
يوما ما ٱنفض عقد اللقاء مع الأصدقاء من البيت النمساوي العربي وكنت قد عبأت خزان الروح عشرين ليتر من التفاؤل على وقع عيون نقرتني وانا في المترو ..
كان كفها جدا حار قابل للإشتعال السريع من التجاذب لأطراف الحديث والضحكة الملعونه التي يفتح زراعيها ألف شيطان وشيطان ويكركر نشوة الحب فتعض شفتها السفلى فأعض على يدها ..
تعطلت غمازات اللقاء بكنطاك الوصول وقفلت راجعا للبيت منشرح الصدر .
كان في عينيها بريق يشبه باب بيت جدي الذي جمع في كف داخله كل الحب .
كان مبسمها يحرسه ألف ملك من ملائكة السماء ويمنعوا دخول أي غريب لباب الروح ..
كان مبسمها بكل نقوشه ووشمه يشبه ذاك الباب الكبير يجمع كل تلك الضحكات الملعونه وبيت بيوت ورائحة روب امي وضحكة ابي وأنفاس التاريخ التي هرهرت واحترقت اهدابها في فم الحرب .
كان غمزات فمها كأبواب الجنة الثمانيه من دخلها ونام في عيونها كان آمن .
كانت عيونها الناعستين البنيتين كتراب بستاني الذي طار لعند السما إثر خلعة كتف من اولاد وطن متناحرين يأكلون بعضهم البعض .. عينيها ذاك الباب الكبير الذي من دخله كان آمن فكيف من سكنه ..
رميت كل حزني القابع في رأسي في حرجها لأنام تحت وهج أصابعها وهي تهز قلقي كي ينام .
رمقت كل الملائكه التي مطت رأسها من عيونها ومدت يدها من حول ثغرها من أعماق غمازتها لتدهن قلبي بزيت يغمرني دفئ للروح كما تغمر اوراق الزهره أصابع تاجها بذرة الجمال وانام وانا ارنو إلى باب عينيها نصف مسدل الجفنين غائبا عن هذه الدنيا .
لقد عثرت على باب أوسع واكبر من ذاك باب الذي حرقوا عيونه وكسروا ضلوعه وهشموا جمجمته و الزهايمر تسلق داخله ..
ذاك باب رمقته عند اقدام الجبل و يلفني ضباب النزوح إلى عالم آخر.. عندما عبرت الحدود شاهدته يلوح لي بزراع مكسور ثم توارى خلف ضباب الزمن
بقلم
طارق حامدي
Discussion about this post