الصحفية لينا اسماعيل تكتب…. رصيدك الباقي
إياك أن تربط مصيرك بأحد أو تتعلق بشيء في هذه الحياة إلا في رحاب مرضاة الله .
فهو رصيدك في مشوار بحثك عن سعادة الدنيا، وقوتك في مواجهة من حولك وماحولك، وطريقك المنشود نحو السعادة الأبدية.
وعليك هنا أن تفصل بين النِعَم التي فُطرت عليها كنعمة العقل، الحواس، الشكل والملامح، فصاحة اللسان، سرعة البديهة، وغيرها من العطايا التي منحك الله إياها من غير حول منك ولا قوة، وبين ماهداك الله إليها كالتقوى، العلم، الحكمة، الأخلاق، وما إلى ذلك من صفات بقدر ما اكتسبت منها، زاد رصيد قبولك لدى من حولك، وامتلكت مفاتيح سعادتك بحبهم لك .
وفي كلا الحالتين أنت مدين للخالق الذي حباك هذه الِنعَم وهداك إليها .
مايحدث أن أحدنا عندما يشتد عوده ويرى الدنيا مقبلة عليه تأخذه عزة الأنا، فينهل من ملذات الدنيا إلى أن يغرق في هاوية الجحود، أو يطرق باب التوبة بعد أن يفقد كثير من هذه النعم فينفض الناس من حوله .
والبعض الآكثر وعيًا يجعل محور حياته من أحبوه أصلاً لتلك المعطيات التي حباه الله إياها، يجعلهم قبلة شغفه وعمله ووقته، فتلهيه مسؤوليات إرضائهم عن تمام رضا الخالق، دون أن يعي أنه لولا نِعَم الله عليه ما تعلقوا به، وأنها حكمة الله في كونه ليعمر الإنسان الأرض.
أما الوصول إلى هذا الرضا الإلهي فهو يتطلب منك أولاً إدراك و تثمين الِنعَم التي رزقك إياها، ومن ثم الاستثمار الأمثل لها.
إذ أنك غالبًا وللأسف لن تكون في مقتبل العمر قادرًا على إدراك هذه النعم المتمثلة بالشباب والقوة والصحة والجمال وما إلى ذلك وسط زحمة المشاعر والأحاسيس والطموحات والرغبات الجياشة.
فإذا أعجبتك قدرتك تذكّر أنها عطاء رباني لتستثمرها في طاعته .
ذلك أن الإنسان في الغالب لايدرك قيمة هذه النعم إلا عندما يذوي بريق حضوره وينحني عوده .
ومايحدث أن أغلبنا يظن الطاعة في مرحلة القوة والشباب تأطير وكبح لجماح ممارسة طقوس الحياة المشتهاة … فيثور جهرًا عليها، أو يخالفها سرًا وذلك بحثًا عن سعادة مايلبث أن يجدها سرابًا كما أسلفنا .. فيبدأ البحث عن سعادة في مسار آخر وهكذا تُستَهلك هذه النعم مع دوران عجلة العمر، تلتفتُ بعدها إلى حصادك في خريف أيامك فلا ترى إلا عبثا بعبث !..تحاول أن تستحضر ماجنيت فلا تجد في رصيدك ماهو ناصعٌ إلا ما كان في طاعة الله .
فالطاعة بحد ذاتها هي صورتك المشرّفة أمام نفسك أولاً والناس المحيطين بك.
بالنتيجة هي خطوط ملامحك في الدنيا وبصمتك الباقية.
ولكن السؤال .. متى نعي هذه الحقيقة ؟ وكيف يمكن أن ندركها ونستثمرها باكرًا ؟
كلنا أخذتنا عزة الشباب وقوته، وخُيّل إلينا في مرحلة ما أن مانستطيع تحقيقه في قادم الأيام لم يفلح في الوصول إليه آباءنا ولا أجدادنا ، كلنا رسم آمالاً بدوافع مختلفة الشباب .. القوة .. المال .. الجاه والنسب .. الجمال .. الذكاء .. الصحة .. وووو دون أن نعي أنها ليست من صنع أيدينا، وإنما هي من نعم الله علينا .
أنها رصيد رباني ليرزقنا الله من خلالها حب الناس لنا، بعضنا سعى واجتهد، أفلح حينًا وأخفق، إلا أنه كسب شرف جهاد النفس، وبعضنا غرق في متاهات الميول والرغبات.
لكننا جميعًا أدركنا بشكل أو بآخر ومع تراكم السنين أن الآباء والأجداد لم يكونوا ضعفاء محدودي الأفق، بقدر ما كان للظروف والمسارات التي خُيِّلَ إليهم كما خُيِّلَ إلينا أنها صائبة دور فيما جنوه وسنجنيه من بعدهم .
وأن ما كان حولك من طيّبات و مغريات، أو مَن كان متعلقًا بك في مرحلة ما لم يكن من فراغ، بل لما حباك الله من أدوات لنفعه، ومن ثم تبادل النعم .
كل من أحبك من غير دمك أحبك لنعمة ما حباك الله إياها، أو هداك إليها.
وكل من أحببت من غير دمك( وأقصد هنا والديك ) لنعمة ما وجدتها به دون غيره .
كل ما تظن أنك تمتلكه هو نعمة من الله تعالى شبابك .. صحتك .. جمالك .. علمك .. عملك .. مالك ونسبك .. وووو كلها أو أي منها نِعَم وهبك الله إياها لتنعم بدورك بقبول من حولك وحبهم لك ..والحب جوهر الحياة ومبتغاها في مختلف مراحل العمر، منذ ولادتك أنت بحاجة له، وحتى لحظات وداعك الأخيرة لتلك الدنيا الفانية.
مقصد القول هنا أن الوصول إلى السعادة الحقيقية لايكون إلا في مرضاة الله تعالى، وذلك عندما نُقدّمها عن أي أولويات في رحلة حياتنا الدنيا، ونجعل تلك الأولويات من مال وأولاد وأزواج ومناصب وو و… كلها في مرضاته عز وجل . وإلا فكل ما نسعى له ونراهن عليه دون ذلك سرابًا مهما كانت أهميته .
بالمحصلة من أعطاك مفاتيح دخول هذه الدنيا والسعي فيها في مختلف المسارات ولمختلف المرامي هو الله وحده . منحك أدوات ممارسة الحياة الدنيا، وترك لك حرية استخدامها إلى أجل مسمى .
فلا تراهن إلا على رضاه، واستخدم تلك النعم في طاعته، فإن أحببت فاجعل حبك لمن حولك في الله. وإن عملت أخلص وفاء له، وإن حكمت فاعدل بوحي عدله، وإن تعاملت تذكر رحمته وكرمه عليك. وإن قدرت وكشفت ، تذكر قدرته وستره لك.
وحده الذي يستحق جل الحمد ومنتهى الرضا ، وعندها ، عندها فقط ستصل إلى الحب الحقيقي والسعادة الأبدية .
Discussion about this post