بلطفٍ بالغٍ يَطلُبُ منَ الآخرِ الابتعادَ.. ذلكَ لأنَّ في الدُّنوِّ مخاطرَ كثيرةً سيسردُهَا على مسامعِ لهفتِهِ وانحرَافِهِ وانجرَافِهِ وانخطَافِهِ، يقولُ الشَّاعِرُ المرحومُ حسن لقطع:
خَلِّينا أصحاب وكلِّ حد في رفَّة .. حتى العاقلة دنو الجميل ايخفَّه
هذا هوَ الأمرُ المُتَّقى، المُحَذَّرُ منهً؛ فلنبَقَ أصحابًا، وأن نظلَّ على مسافَةٍ آمنةٍ منَ الوقوعِ في أشرَاكِ الحُبِّ، على بعدٍ مأمونٍ ومضمونٍ لتفادي السُّقوطِ في حبائلِ العِشْقِ؛ لذا اختارِ الشَّاعِرُ العَاشِقُ هذا السَّبيلَ (خَلِّينا أصحاب)، ولتأمينِ المَوْقفِ (وكلِّ حد في رفَّة) .. احترازًا .. فالدُّنوُّ منَ الجمالِ.. منَ الجميلِ يُوقعُ في مَهَاوِي الهَوَى، في غيابَةِ جُبِّ اللَّهَفِ العميقِ، يزلُقُ القلبَ إلى ما لا يُحْمَدُ .. انْسِيَاقًا واشتياقًا وانشقاقًا واندلاقًا وانزلاقًا..
لهذا توجَّبَ علينا القيامُ بأمرين اثنين: (خَلِّينا أصحاب)، وَ (كُلّْ حَدْ في رِفَّة)، فليحتفظ كلٌّ منَّا بمكانِهِ وبمكانتِهِ.. (في رِفَّة) في جانبٍ، إِنَّها المَسَافَةُ الآمنةُ، المأمونة لتَجَنُّبِ اللَّهَفِ الجَسُورِ، في ضِفَّة هادئَةٍ من ضفافِ اللِّقَاءِ.. سيكتفيانِ بظِلالِ الجَمَالِ.. بضوئِهِ ونسمَاتِهِ وعبيرِهِ وعَبَرَاتِهِ..
وللشَّاعرِ العاشقِ مبرِّرُهُ المنطقيُّ، عذرُهُ المقنِعُ.. خوفُهُ الذي يسوِّغُ خوفَهُ فهو يدركُ أَنَّ (حَتَّى العَاقِلَة دنو الجميل ايخفَّه)، اكتملت الصورة، وضحت الرؤية، وسيقَتِ الأعذارُ، قبِلَتْ أم لم تُقبَلْ، المهمُّ أن ينفَّذَ الأمرُ:
خَلِّينا أصحاب وكلِّ حد في رِفَّة .. حَتَّى العَاقِلَة دنو الجميل ايخفَّه
فَفِي مَهَبِّ الجَمَالِ العَصُوفِ لا أَحَدَ يَجْسُرُ على الثَّبَاتِ، لا عَاقِلَ البتَّة، ولا عَقَلَ يمكنُهُ الصُّمودَ أمامَ هذا الهُبُوبِ العَاصِفِ.. أمامَ هذا اللَّهَفِ والعَصْفِ (حَتَّى العَاقِلَة) وهو ليسَ بعاقِلٍ.. يُقرُّ بذلكَ بهذِهِ الـ(حتَّى)؛ ذلكَ لأنَّهُ يُدرِكُ أَنَّهُ سَيَخِفُّ وَسَيَرِفُّ .. سيتحوُّلُ قلبُهُ إلى ريشةٍ .. إلى عاشقٍ متهافتٍ إزَاءِ مكامنِ الفتنةِ، ومواضعِ الا نجذابِ والاستلابِ والانتهابِ..!
لكلِّ هذا وذاكَ أسرعَ باقتراحِ ترسيمِ حدودِ اللقاءِ.. وإيضاحِ المسافةِ الآمنة لتوقِّي الوقوعِ في الهوى، وتجنُّبِ السُّقوطِ في المهوى الأعمقِ والأغرقِ .. !
الرفَّة: أحد ركني البيت الشعبي الليبي.
بقيَّة القصيدة ( سَعْدَى ):
خَلِّينا أصحاب وكلّْ حَدْ في رِفَّة … حتى العاقلة دنو الجميل يْخِفَّه
سَعْدَى قَلِيلَةْ رَافَة … ونا في المعيشه دُوبْنِي نْتَلَافَى
وْهِي تْرِيدْ ثَلِبْ مْحَشِّنَات خَفَافَه … اعشاره تقول نخيل داير ضَفَّة
اِيَقَوِّس مع كرمودها واقرافه … ويجي تقول قصر يهود تحت جَحَفَّهْ
ونا الحال ما يخفاك يا شرَّافَه … جهدي قول به سعدى نزيد شَرَفَّهَا
وهي النَّاس منها كِلَّهَا اتَّغَافَى … خَوِيلَةْ غَلا مَسَّع الدَّابْ عَسَفَّهْ
ونا مغير فيها قرعتي خِرَّافَةْ … تقول كلمتين الثَّالثة تقطفَّه
وهي ما تنقر عَ البَوَمْ والبَافَة … قرناص، صيدها دُوَّار كيف القِفَّة
وتحوجيبها تحت الجبين نظافه … وشناف عين قَرْقَاضَةْ اِسْيُورْ الكَفَّة
اللِّي بها تصدع عايشه بعفافه … وها النَّقَشْ بِالنِّيلَه اللِّي رَاضِفَّهَا
وأشواط هذب داير عَ الخدود طفافة … وَرِيقَةْ اِمْنَسَّع لاورا تِنْسِفَّا
ونبت لو غليظ ولو رهيف رهافة … ولو قصير لا طوله مَسَخْ هَادَفَّه
روح في ايدمي لاي كذب لاي تِقَّاَفة … صَيَّاغْ لِيْر من قِطْعَةْ ذَهَبْ صَنَّفَّه
وتبقى مْدَرَّعَة صورَةْ هَمِيل أطرافه … بارودها وسلاحها وعلفَّه
برنتي ونا رسمي كبير أوظافه … أَدْبَكْ، عَدُو، تَرَّاس، ونصادفَّه؟
وترزينى وبه مالي دوا نشَّافَى … مفيت نتردَّى نين شي انْتَوَفَّى؟
علم والعلم دنواه كيف اشرافه … وموالف مْداناته وكال طرفَّه
وهي مغير عارفَّها بعد نسَّافه … تبقى متوتحه ع اللِّي لها تشَّفَّى
وأمس مي اليوم تصير لي نخطافة … نَشْفَةْ دماغ ومن أسباب صَدَفَّه
والعيب هي مخاطَاةْ الكبير عرافه … حتَّى وهي وَرَاهَا مَي عَوَارْ الخَفَّة
سليمَةْ جْرَاحْ وما الله تخَافَهْ … وتعزلني ونا قَذَّار وموالِفَّه
وهي قميرها لقحه ضناه هرافه … اللِّي مو مصرِّمَها شهر شانَفَّه
وتقول سَكَّرُوا، ما لي ومال قطافه … سَوَّاق مزن بنديره موالف زَفَّة
وسعدى حكومة ماي اللِّي اتَّكَافَى … ولا نريد نفسي نا لكن نتهَفَّا
ونعيش تحت ترسيمك معاش زطافة … بعد أُسبوع عَ البِهْرَةْ اِنْجِي نِدَّفَّى
نَصَابَةْ جَرَرْ جَرَّكْ أِنتي غَفَّافَةْ … وبيوعك ألفاظه يختمن عَ الغَفَّة
ترمي لي شَبَاشَةْ عَ الغَرَرْ مِنْدَافَهْ … رِقَّةْ لَهَاه وفي عقابه لَفَّةْ
قديمة مْدَانَاةْ العَلَمْ خَلَّافَة … مِشْهَابْ نَار لا يَبْرِدْ وَلَا يَطَّفَّى
Discussion about this post