من المفارقات في طوكيو
——————-
كان المصطفون في رتل لزيارة متحف طوكيو يعد بالآلاف ، وهم يحملون مظلاتهم في طقس ماطر وكان مرافقي يقول ( نحن محظوظون بأننا نعفى من الاصطفاف في الدور لأنك ضيف رسمي ) ولم يغفل محدثي عن بيان أهمية وقوف أمين المتحف في انتظاري عند المدخل مشيراً إلى أن مكانته تفوق مكانة الوزراء ، فهو عالم كبير وآثاري عريق ، وقلّ أن يحظى أحد بلقائه ، لكنه تقديراً منه لأهمية بلدي يقف في انتظار قدومي ، قلت ( أقدر له ذلك ، وسأعبر له عن امتناني ) .
كان مدير المتحف يقف باحترام واحتفاء بالغ وهو يتقدم للترحيب بي عند السيارة ، وسط حشد من العاملين والمرافقين من العلماء ، لكن الرجل بدا واجماً وهو يتفصحني ، وفجأة تمتم : من أين أنت في سورية ؟ تبسمت وقلت ( بما أنك عالم آثار فلابد ستعرف بلدي ، أنا من مدينة اسمها إدلب ) قال ( كنت أتأمل اسمك في ريبة ، فهو ليس غريباً علي .. إذن أنت هو .. !! ) قلت من تقصد ؟ قال (أقصد صديقاً لي كان معلماً في المسطومة قرب إدلب عام 67 ؟ ) قلت ضاحكاً : ( إذن أنا هو ، وكنت قبلها معلماً في قميناس ) افتر ثغر الرجل عن ابتسامة عريضة ، وقال (ما زلت أذكر ملامحك ، أهلا بصديقي القديم ) وتعانقنا ، وتذكرته ، هو ذاك الشاب الياباني الذي كان يسهر معنا أواسط الستينات ، حين كان يعمل في بعثة يابانية في تل دينيث وتل المسطومة عام 67 وكنت في مطلع عملي الوظيفي ، وكان فضولي المعرفي يدفعني للتعرف بشغف إلى أولئك الرجال الذين يأتون من أقاصي الأرض ويحفرون التراب بصبر ودأب كي يكشفوا لنا ما خبأ الزمان .
صديقي القديم هذا أمضى نحو خمسة عشر عاماً يعمل في بعثة أثرية في قرية المسطومة وفي قميناس وفي تل دينيث، وهي مواقع أثرية مهمة تقع على بعد خمسة كيلومترات من إدلب ، وقد وصل عدد هذه البعثات اليابانية إلى حين مغادرتي الوزارة ثماني بعثات، وكانت رحلتنا هذه إلى طوكيو من أجل أن ندرس مع العلماء اليابانيين في مؤتمر دولي نتائج ما توصلوا إليه في بعثاتهم . والحديث يطول .
لا أكتم القارىء أنني وجدت وقتاً طيباً للهرب من الرسميات وانطلقت مع بعض الصحب إلىى شوارع طوكيو وأحيائها الشعبية وأسواقها كي نتعرف إلى الشعب ونتحدث مع الناس ، وكانت رحلة طريفة ، مفيدة وممتعة .
Discussion about this post