بقلم المهندس …. باسل كويفي
حالة القلق المستمر التي يواجهها العالم بشكل عام ومنطقتنا الاوسطية بشكل خاص قد تُفقد شعوبها الأمل في أي إصلاح سياسي واقتصادي يُجنبها،أي هزات عنيفة أو قفزات في الفراغ طالما افتقدت سلطاتها الى خطط بديلة وأقصت مشاركة رؤى نخبوية من مفكريها ومجتمعاتها.
في ظل تهميش دور القواعد الدستورية والقانونية العادلة في صناعة الديمقراطية وتمكين مواطنيها من الحياة في حرية والاختيار بحرية وفق عقد اجتماعي جديد ينقذها من الدمار البيئي ويضع النهايات الضرورية للفقر والمرض والاستغلال والحروب وانتهاكات حقوق الإنسان.
وبالتالي علينا إطلاق الحوارات بمختلف جوانبها ( حوار متعدد الأبعاد) حول الهوية والمستقبل والتحرر من القيود المادية ومن الإملاءات المحلية والخارجية التي تفرضها المجتمعات الحديثة على الشعوب .
ضمن صراعات الدور والمكانة والسعي نحو المصالح بعيداً عن رؤية المنتمين إلى الطبقات الوسطى( المندثرة نسبيا) للحياة ، والتي لا شأن لها بصراعات تنخرط بها الطبقة الفقيرة و الفئات محدودة الدخل ومتجاهلة صراعات السلطة والنفوذ التي تشغل نخب الحكم والثروة.
مناورات وتدخلات عسكرية مباشرة أو عبر الوكلاء واسعة النطاق في العالم منها استفزازية وخصوصاً اذا شملت المناورات العمليات المتكاملة أمنياً وعسكرياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً …
لمعارضة أي تغيير جيوسياسي للحدود في العالم ومحاولة إيجاد ضمانة ضد التهديدات الامنية للحد من تحقيق اهداف سياسية وعسكرية .
بمافيهامن الطاقة و الأمن الغذائي و الأمن السيبراني وصراع المناخ والموارد ونقص الامدادات,والتحكم في خطوط نقل الطاقة والغذاء بمناورات تكتيكية واستراتيجية نواتها المصالح والضغوطات المتباينة التوجهات … بين القوى المتصارعة في العالم التي لا بد لها من ايجاد سبيل جدي لحل خلافاتها القائمة وبالحوار السريع والحقيقي ، نظراً لبلوغ المجتمع الدولي درجة خطيرة من التفكك والرهانات الخاسرة والتحديات المختلفة والعنف السياسي والتدخلات الاجنبية في الشؤون الداخلية للبلدان وسياسات العقوبات والتجويع والمنع التي من شأنها تهديد وجود الكائنات في هذا الكوكب .
إن اللافت للنظر في منطقتنا هو الغياب العمدي للنقاش العام حول مفهوم مجتمع المعرفة ، في حين انغماس أطراف دولية وإقليمية بذلك ، بالرغم من بعدها عن حقائق الجغرافيا والتاريخ و المصير المشترك .. حيث أضحى ظرفا موضوعيا لتحديد فرص الجماعات البشرية من النجاح أو الفشل ، نظراً لتحول المعرفة بمكوناتها العلم والتكنولوجيا وتطبيقاتهما الفعلية إلى الخيط الناظم الرئيسى للحياة المعاصرة ، واتجاهها نحو نمط جديد يصبح معه تحصيل المعرفة ضرورة حياتية متجددة باستمرار ، مع ما يواكب ذلك من مخاطر اجتماعية واقتصادية وسياسية جديدة تترافق مع إمكانات التقدم والتنمية المستدامة التى يطرحها الانتقال إلى مجتمع المعرفة كمنظومة كاملة لا تقتصر على الجامعات ومراكز الأبحاث، بل تطال الاقتصاد والسياسة و الثقافة والخدمة العامة وغيرها.
إن إدارة الأزمات والتعاطي مع التحديات الاقتصادية التي ترزح تحت ثقلها دول عديدة ، قد تكون اسبابه المباشرة الأداء الاقتصادي المتخلف والقصور السياسي والتدهور الاجتماعي و الثقافي .
وعن سطوة القلق هذه تدور حوارات طويلة مع الذين يشعرون بالخوف الجماعى من المستقبل ويبحثون فكريا وعمليا عن سبل للتغلب عليه .
من ملفات اللاجئين والنازحين الذي تم تسييسه ببراعة دبلوماسية الى أزمات سياسية عديدة وعميقة بين دول اقليمية وعالمية ، الى منصات اعلامية ذات رافعة حكومية أو معارضة تدعمها سلطات متعددة لتأجيج الصراعات والنزاعات ، الى الحملات العنصرية التي تهدد حياة اللاجئين وصولاً الى التدهور المعيشي وانخفاض مستوى تمويل المنظمات الاممية ذات الصلة لوضعها أولوية للاوكرانيين في اشارة واضحة للتمييز الذي ترفضه جميع المواثيق والقوانين ذات الصلة ، بما يؤكد ان لعبة المصالح الدولية والخطاب السياسي اعلى مكانة واكثر أهمية من حقوق الانسان في واقع الأمر ،وأنّ التوترات العالمية الحالية قد تكون بداية لنزاع أكبر ، يُقوض كل الجهود التي بُذلت من اجل خير الانسانية .
فعلى سبيل التذكير عندما انسحبت قوات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي من افغانستان ، بمناورات استعراضية ، وسيطرت طالبان على البلاد كانت أفضل كلمة لوصف أفغانستان عام 2021 هي “الفوضى” ولكن بعد مرور عام ، لم تعد أفغانستان 2022 في حالة اضطراب سياسي فقط ، بل في حالة اضطراب اقتصادي صعب ، في ظل نظام مالي مشلول وأموال مجمدة ومساعدات ومنح متوقفة وتجارة غير مشروعة بالمخدرات …
بما يُثبت ما يقوله علماء السياسة والتاريخ أنه لا يُلام شعب ، إنما تُلام سلطة، لسوء التخطيط ، أو سوء التقدير ، أو سوء الإدارة، أو المقامرة أحيانا .
أعتقد أن الوقت حان للدفع قدماً بمبادرات مختلفة سواء محلية أو اقليمية أو دولية تحقق الامن والاستقرار والسلام على جميع المستويات ، وتمنح بلدانها مكاسب أمنية واقتصادية وسياسية ، وسيكون من واجب مسؤوليها أمامها استقطاب المجتمعات لتعزيز وحدتها ، بالتوازي مع التحديات الاجتماعية والاقتصادية ،عبر تعزيز قدرات عمل المؤسسات ، الحوكمة ، الحفاظ على الوحدة الوطنية والمجتمعية ، الديموقراطية وادارة حوار سليم فوق الطاولات المستديرة لحل المسائل الخلافية ، فالتنازلات من أجل الاستقرار والسلام المستدام هو النصر الحقيقي للأوطان ، ولا يقوم به إلا الابطال والشجعان .
لعل من المفيد أن نذكر في هذا الصدد تغيير جذري في قواعد الاشتباك اقليمياً ودولياً ، بعد أن تشكلت المجموعة السياسية الأوروبية (European Political Community) عام 2022، وكان اجتماعها الأول في السادس من أكتوبر/تشرين الأول في العاصمة التشيكية براغ بمشاركة 44 دولة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وخارجه بمثابة انطلاقتها الرسمية، وجاء الإعلان عن تشكيل هذه المنصة في خضم صراع متنام مع روسيا ،وتسعى المجموعة الجديدة، من حيث المبدأ، إلى إيجاد استراتيجيات لمعالجة المخاوف المشتركة، مثل الطاقة والاقتصاد والغزو الروسي لأوكرانيا، عبر دعم التنسيق السياسي بين الدول، كما أنها لا تدخل في إطار هياكل الاتحاد الأوروبي التقليدية. وحدد المجلس الأوروبي الأهداف الرئيسة للمجموعة في تعزيز الحوار السياسي، ومعالجة القضايا ذات الاهتمام المشترك، وتعزيز الأمن والاستقرار والرخاء في أوروبا.
ويعكس التسريع بإنشاء هذه المنصة الجديدة في خضم التحديات العاصِفة التي تشهدها أوروبا ولها مجموعة من الدلالات والرسائل السياسية المهمة، أبرزها حزمة التوسع الجديدة الحزمة الاجتماعية فضلاً عن السياسية .
ولعل من الأهمية اليوم تبديل ثقافة الغرب الاستعماري ، لتصبح علاقات منهجية مع الدول تتمحور حول الربح والتقدم معاً .
من جانب آخر ، وعلى واقع امتيازات اقتصادية جغرافية لا تبعات سياسية له ، كما اسماه الياس بوصعب، ممثّل لبنان في اتفاق الترسيم، توقيع “الناقورة” بأنّه “اتفاق هوكستين “.
مع ما رافقه من تصريحات امريكية تُعيد إلى الأذهان ” الشرق الأوسط الجديد ” الذي تحدّث عنه بايدن بالتوازي مع مجريات الاتفاق ” هوكستين ” ، إذ قال: “خطوة تاريخية وسيفتح الطريق لشرق أوسط مستقرّ ومزدهر”. الاستقرار والازدهار ينهضان على “السلام” لا على كليشيهات الحروب والمجتمعات المُتعسكرة.
وما لا يمكن إخفاؤه هو أنّ لبنان والكيان الصهيوني دخلوا فعلياً في إنتاج الطاقة وتوزيعها و بيعها ، بسبب التداخل في حقل قانا ، وسيحتم دخول لبنان في “منتدى غاز شرق المتوسط” الذي يضمّ مصر والأردن وإسرائيل وإيطاليا وقبرص واليونان من أجل بيع الغاز وفق الأسعار الرائجة .
منذ الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 على سبيل المثال ، ووضعية الأزمة السياسية المتلاحقة تدلل على عجز قوى المجتمع عن التعامل السلمي-الحداثي مع تركيبته التعددية من خلال وسائط مؤسسية وبمضامين تسمح للسياسة بالوجود بما هي منافسة سلمية بشأن تحديد الصالح العام وممارسة توافقية لتحقيق ذلك الصالح العام تخضع للمساءلة والمحاسبة من قبل المواطنين.
لذلك يتعين أن تضمن الوسائط المؤسسية حضور وتماسك الدولة الوطنية لأنها الأداة الرئيسية لتحقيق الصالح العام وصاحبة القدرة على ردع الخارجين عن شرطي المنافسة السلمية والتوافق ، مع الحذر من ان استمرار الازمات السياسية تعبير عن وهن مؤسسات الدولة الوطنية تليها تدخلات خارجية سافرة بشكل مباشر أو عبر وكلاء يخدمون مشروعه ويحمون مصالحه على حساب تماسك الدولة والمجتمع .
نُزفت دماء كثيرة من شرايين الشرق الأوسط منذ خمسينيات القرن العشرين ، وحملت للكيان الصهيوني حصيلة متناقضة. كان أهم ما حققته هو استقرار معاهدات السلام الثنائية بينها وبين مصر والأردن والسلطة الفلسطينية ، ومعاهدات ابراهام وملحقاتها ، أما فى باب الإخفاق ، فالأخطر كان غياب التسوية السلمية الحقيقية للقضية المركزية الفلسطينية وتواصل التدخلات العسكرية والأمنية الإسرائيلية فى القدس والضفة الغربية وغزة ، مما يُخفي ابعاداً تتعلق باختلاف السياسات وتباين التحالفات ونقل الأزمات الى الخارج واشتداد عنصرية اليمين المتطرف .
إن البحث الامريكي عن إنتصار سياسي ، وسط التخبط في العلاقات مع دول الخليج وايران ، وإخفاق بايدن في فك عرى تحالف “أوبيك+”، الذي تعتبره إدارته مساهماً أساسياً في تدفق الأموال إلى خزائن الكرملين ، بما يمكن روسيا من الصمود في حرب الإستنزاف التي يخوضها الغرب ضدها في أوكرانيا ، تأتي التغييرات الحاصلة في السياسات التركية وتبدل العلاقات الإقليمية ، وسط طموح تركي للسيطرة على بورصة الغاز العالمي من خلال روسيا وحوض المتوسط ، بما في ذلك المصالحة مع سورية التي تنطوي على تبدل كبير في خرائط وحدود ونفوذ ومصالح يؤرق واضعي إستراتيجيات الأمن القومي الأميريكي .
إن إتجاه السعودية والخليج عموماً إلى الخيار الشرقي، هو أحد أكثر التبدلات الجيوسياسة في الشرق الأوسط. وقد عجلت الحرب الروسية-الأوكرانية وتبعاتها في الدفع نحو هذا الاتجاه.
وفي حملة التجديد ومواكبة العصرنة بما يتلائم مع الثقافة العربية التي يطلقها وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان ، بفتح مسار جديد يرتكز على القوّة الاقتصادية والمصالح الوطنية ، بدلًا من التحالفات السياسية والاتفاقيات الأمنية والعسكرية التي تتغيّر حسب الظروف ، و اعتراضه على سياسات الرئيس الأميركي ، لأنّها لا تتناسب مع المصالح السعودية، ولأنّ أسس العلاقات يجب أن تكون وفق منظور المصالح المشتركة .
حيث يشكل الاقتصاد الدعامة الرئيسية التي ترتكز عليه السعودية في تأثيراتها العالمية أو في نظرتها إلى العالم أو النظام العالمي، مستفيدة من ظروف متعدّدة، أبرزها الحاجة العالمية الماسّة إلى النفط والغاز ، بما يتيح الفرص بتعزيز سياسة “صفر” مشاكل في المنطقة والعالم ، و الارتباط بعلاقات جيّدة مع القوى المختلفة في الاقليم والعالم شرقاً وغرباً ، مما يدفع قُدماً بتحفيز “عدم الانحياز “ضمن رؤية بعيدة المدى في سياسات غير تقليدية من “خارج العلبة” لصناعة السياسة في المنطقة.
الساحة السياسية تنظر بعين الاهتمام الى لقاء يجمع الرئيس الامريكي بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ في بالي في إندونيسيا يوم 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2022 لمناقشة الجهود الرامية إلى المحافظة على خطوط التواصل بين البلدين وتعميقها وإدارة المنافسة بشكل مسؤول والعمل معاً حيث تلتقي مصالحهما ،فيما يتعلق بالتحديات العابرة للحدود التي تؤثر على المجتمع الدولي. والأهم مناقشة مجموعة من القضايا الإقليمية والدولية قد تحدد صياغة معالم (النظام العالمي (نظراً لأن امريكا تمثل الناتو والغرب ، والصين تمثل دول البريكس والشرق وإعادة تشكيله من محاولة شمولية وتفصيلية لتقدير أثر الحرب الأوكرانية والمناخ وتعثر سلاسل امدادات النفط والغذاء .. على المشهد الدولي، وقدرتهما على خلق تحولات جذرية في قواعده بعد التغييرات الكبيرة في موازين القوى الاقليمية والعالمية والتصادم المتواتر في القضايا الخلافية على عدة مستويات .
أعتقد أن سورية ستشهد خطوات عملية لتنفيذ القرار 2254 بنكهة سورية تتوازى مع تحركات عربية وتركية واوروبية واسعة ، حيث تجري زيارات موسعة عبر وسطاء لتمهيد أجواء مصالحة قادمة خلال الأشهر المقبلة ترسم معالم المرحلة القادمة عبر تغييرات قادمة ضمن مراكز القرار مع مكافحة الفساد و الفاسدين وعودة الاستقرار والسلام المستدام ، وانطلاق قطار التنمية الشاملة .
وكما قال أحد الشعراء عن الحوار ..
الرأي يحتمل الصواب وضده
لا تحسبن الرأي قولا منزلا
ناقش وحاور فالحوار ينيرنا
واسمح لنور الشمس أن يتغلغلا
والى لقاء آخر …
Discussion about this post