قصيدة (بوابة)للشاعرة والصحفية الجزائرية *** كريمة كركاش***.
بقلم الدكتور حمزه علاوي مسربت. العراق
بوابة..
وددت اقفالها بأصفاد ثلاث
مرت السنون وساكنها لابث
كيف لعضو بكف اليد يبحث
نبض وخفقان قاتل جاثم
يتقن لغة العشق والتيم
عشق يسري مجرى الدم
حسبي الوقت كفيل بالنسيان
فوقعت في شباك الوهم والتيهان
التعلق والتشبث كالولهان
لا الوقت ولا الزمن ينسي
فالقلب العاشق غير مراعٍ
لمرور العمر غير مبالٍ
بوابة..
مفتاحها باقٍ في يد مالكها
رحل وعاد..
فتح بوابة القلب والجا وبه قاطنا..للأمد
تبدأ القصيدة بلفظة واحدة ، تختبىء خلفها شفرة فكرية ، تركتها الشاعرة للمتلقي ليبحر فيها ويرسي على ساحلها ؛ اي ان هناك مساحة للخيال سرحتها للقارىء . تعتبر البوابة تعبير مجازي يصرف اللفظ عن معناه الاصلي فهي الحياة -القلب . يعبر القفل عن دلالة الامان في هذا النص ، اما دلالة ”الثلاثة” : تعني امتداد الزمن بين ماض ، حاضر ومستقبل ، فضلا عن العلاقة المادية -المفتاح – والروحية – الحرية -. يمر الزمن وساكن البوابة مقيم فيها لايبالي الزمن . تنتابها لحظة صمت فتعود وتشن سؤال استفهامي عن كيفية الحال ، عن يد المرء المغلولة بالاغلال ، وهذا ما يولد دلالة جديدة لاعتقال الحياة وضياع اللغة اللفظية . تستخدم الشاعرة لفظتين – نبض وخفقان – تختلفان في الشكل ومتقاربتان في المضمون – القلب ، فما بين الطبيعي واللاطبيعي ؛ الهدوء – النبض – الاضطراب والقلق -الخفقان- تتوطن الجملة الشعرية ؛ فتشعر الشاعرة بالقلق تجاه الآخر ، تارة هادئة ، وتارة صاخبة . يدل الخفقان عن حضور الذاكرة والرؤية الخيالية التي تعج بها مخيلتها ، وفقدان السيطرة الذهنية ، وهذا ما يجعلها تعيش سكرات اللحظة الآنية . تطرح القصيدة سريان روحي -العشق -وسريان مادي الدم ؛ وبالتالي تزواج الاثنين وذابا في عروق خارطة الجسد . يؤدي التكرار اللفظي لكلمة (العشق) الى تعاظم الايقاع الموسيقي والصوتي للنسق الشعري . تظن ان البعد الزمني يمنحها النسيان ؛ اي ان هناك ديمومة للزمن وحركته من جريان الماضي الى الحضور حيث النسيان ، لكن ذاكرة الماضي لن تغيب ، ولهذا اصبحت تعيش دوامة الفكر ، الوهم والسراب الصوري يعكس التمني مشاعر القلق والاضطراب الوجداني للشاعرة : هناك صراع بين عالم التية والعالم الواقعي . اصبحت كالقشة على سطح الماء يفوجها الموج الى حيث ما تدري ؛ انها المتاهات .
تستخدم المقابلة اللفظية ما بين الوقت والزمن، كي تعطي نغمة موسيقية لادامة زخم الحركة الايقاعية في القصيدة ؛ وعليه فان الوقت محدود، والزمان غير محدود: المحدود واللامحدود ،وكل ما جرى لا يسعفها الوقت ولا الزمن ، فما حصل هو ذكريات ، لا يمكن لعقرب الساعة ان يدور الى الوراء . جعلت ذاكرتها مقاوما لنسيانها ، وهذا ما يجسد البعد النفسي للشاعرة في تحديها للزمن .
استوطنت الصورة الشعرية ما بين المبالاة من ذاتها واللامبالاة من الآخر ؛ هذه الثنائيات تحرك ما هو راكد ومنسي من الالفاظ الشعرية داخل النص ، فضلا عن ولادة صور بلاغية تزيد من جمالية النص .
تعود الشاعرة وتكرر البداية حتى تحافظ على وحدة القصيدة ، ولا تدع القارىء ان يخرج من النص بحكم تكرار اللازمة . عاد من الرحيل مالك القلب وبيده المفتاح الذي يرمز الى دلالة الانفراج ، دخل البوابة وشغل ماتبقى من الزمن .
جسدت القصيدة الصدق والوفاء من الذات الراحلة وعوتها ، وبيدها الامان ، فتعشقت مع الذات الناظرة عند البوابة .
Discussion about this post