……………………………………….وصيّةُ أبٍ..
_ قيلَ: إنّ أباً أوْصى ابنَه، بأنْ يَبنيَ ، في كلِّ بلدةٍ، بيتاً!
_ وكيفَ لي أن أفعلَ ما تقولُه يا أبي؟
_ فإذا بالوالدِ يقولُ: إنّني أقصُد أنْ تجعلَ لكَ فيها صديقًا صَدوقًا، كيْ تَعيشَ، يا بُنَيَّ، كما يجبُ أنْ يعيشَ بنو البَشرِ..
_ والصّداقةُ ،بلا شكٍّ ،حاجهٌ ثابتةٌ من وجوهِ العَيْشِ البَشَريِّ، يُقيمُها الإنسانُ، ويُعزِّزُ بقاءَها، أنَّى وُجِدَ : في حارتِه، في مدرستِهِ أو جامعتِهِ، أو حيثُ يعملُ. وهي ليستْ حاجةً مادِّيَّةَ وحسبُ، بلْ هيَ إلى ذلكَ، حاجةٌ عاطفيةٌ شعوريةٌ يتطلَّبُها الإجتماعُ الإنسانيُّ ؛ فالإنسانُ مَطبوعٌ على لقاءِ الآخرِ، وعلى العَيْشِ معه، ليكتَمِلَ بذلكَ وُجودُه، وهوَ في غيرِ ذلكَ، يعاكسُ سُنَّة الحياةِ وقوانينَها.
_ وهي سُنَّةٌ أكَّدَتْها الرِّسالاتُ السَّماويةُ الخالدةُ . فقدْ وَرَدَ في الإنجيلِ :”المحبَّةُ هي كمالُ الشَّريعةِ، تَفرحُ بالحقِّ، وتَعْذُرُ كلَّ شيءٍ، وتَتَحمَّلُ كلَّ شيءٍ”، وأنْ أحْبِبْ قريبَك حبَّك لنفسِكَ”. وجاء في القرآنِ الكريمِ قولُه تَعالى:”يا أيّها الناسُ، إنّا خلقناكُم من ذكَرٍ وأنثى، وجعلناكُم شعوباً وقبائلَ، لتَعارَفوا، إنّ أكرَمَكم عنْد اللهِ أتْقاكُم، إنّ اللهَ عليمٌ خبيرٌ . “.الحجراتُ ، آية 13.
_ فأن تحبَّ، فإنك تُحبُّ الآخرَ، شريككَ في الحياةِ، أو أنْ تسعى إلى معرفتِه، فأنتَ كائنٌ إجتماعيٌ، لا يُمكنُ أنْ تكونْ مُنعزِلاً، وهذا الإجتماعُ هو مفتاحُ العلاقاتِ الاجتماعيةِ ؛ والصَّداقةُ الحقَّةُ بابٌ من أبوابِها، وبناؤُها السَّليمُ لا يكونُ إلّا بالصِّدقِ، والتّفاني، لذلكَ قيلَ في الأثَر: “صديقُك من صَدَقَك، لا مَنْ صدّقكَ.”
_ والانسانُ بهذهِ القيمةِ الأخلاقيةِ والاجتماعية الرَّاقيةِ، لا يَحتاجُ إلى رِياءٍ، ونِفاقٍ، لأنَّ العلاقةَ البشريّةَ، عندها، تصبحُ قلقةً مُضطرِبَةً يَسودُها الشَّكُّ والتّخوينُ ّ! بل هو محتاجٌ إلى مَنْ يَصدُقُ في عاطفتِهِ فيُؤمَّن عليه لتصبحَ هذه العلاقةُ سويةً وناهضةً.
_ ثمّ إنّ الصّداقةَ مَعْلمٌ حَضاريٌ ، وإنسانيٌ جامعٌ، لا تَعترفُ بلونٍ، أو عُنصُرٍ، أو طائفةٍ أو مَذْهبٍ. وقيمتُها تتجسَّدُ في كونِها بعيدةً عن الإنتفاعِ، يُغذيها عقلُ عاقلٍ، أو قلبُ مُحبٍّ، وتكتملُ صورتُها حينَما ينتشرُ الأَمَانُ، ويَعُمُّ السَّلامُ، وتعْلو رايةُ المحبّةِ..
عبد الله سكريّة.
Discussion about this post