النخبة التونسية بين الأمس واليوم
( الحلقة الخامسة)
بقلم الأديب هاني الفرحاني
كان محور النهضة الفكرية في مطلع القرن العشرين هو الخلدونية. إذ بعثت فنونا واشاعت طرائق تمكنت من خلالها كل المجالات العلمية من تحقيق تطور ملحوظ. كما انشأت مكتبة وقاعة مطالعة أقبل عليها الشباب واستفادوا منها أيما استفادة. وقد نتج عن ذلك بعث المطابع باللغة العربية لتحقيق الإستقلال عن المطابع الفرنسية. هذا علاوة على وجود المطبعة الرسمية. تكاثرت بذلك الصحف والمجلات وربما أهمها إضافة إلى ما كان موجودا هي مجلة”خيرالدين” التي أسسها محمد الجعايبي صاحب جريدة “الصواب” سنة 1906.
وطالب عبد الجليل الزواش في تقاريره الاقتصادية و الاجتماعية بتكوين الملكية العقارية لصغار الفلاحين واحترام حقوق الشغالين بسن قانون للشغل وتنظيم التمثيل النيابي للتجار والصناع و الفلاحين. وكان برنامجه طعنا مباشرا في صميم الاستعمار.
كما أسس خير الله بن مصطفى أول مدرسة حرة باللغة العربية سميت “المدرسة القرآنية العصرية” . واعتمدت في تعليمها كتب التعليم الأولى المطبوعة بمصر. وتواتر انشاء المعاهد الحرة على غرارها وبرزت بذلك مواهب معلمين ومؤلفين لم يجدوا فرصتهم قبل ذلك مثل محمد صفر ومحمد مناشو وسالم بن حميدة. كما تخرج منها طلبة كثيرون دخلوا الجامعة الزيتونية فاضيف بذلك عدد كبير إلى النخبة التونسية لمزيد تعزيز مجابهة المستعمر الفرنسي.
كان ذلك عاملا كبيرا لتوحيد الصفوف و الانتصار للثقافة العربية الإسلامية حتى أن الزعيم علي باش حانبة كتب في جريدة “التونسي” ثناء مطولا على هذه التجربة. وأصبحت بذلك جريدة “التونسي” مقرا للقيادة الوطنية في الميدان الصحفي.
كما أدخل المسرح كرافد هام من روافد بث الوعي. فكانت البداية بتمثيلية “العاشق المتهم ” من مصر سنة 1907 ثم تأسيس “النجمة التمثيلية” سنة 1908 وكذلك “جمعية الآداب” تحت عناية الشيخ عبد العزيز الثعالبي بعد خروجه من السجن. كما تأسست بعد ذلك “جمعية الشهامة العربية”
اما سنة 1914 فقد قدمت فرقة الشيخ سلامة حجازي فهام الناس بتمثيله روايات” صلاح الدين الايوبي” “وشهداء الغرام”” ومجنون ليلى”” وهملت”
وبتحريك المشهد الثقافي كانت النخبة التونسية في ذلك الزمن تسعى إلى إعداد الجماهير الشعبية للعمل السياسي لمجابهة المستعمر.إذ لا جدوى لأي عمل سياسي مالم يسبقه وعي ثقافي.
Discussion about this post