عندما يتجاهل الإبداع مبدعه
قراءة بقلم
الأستاذ الناقد التونسي خالد القبوبي
في* رباعية: الأرض*
للأديب الجزائري / د. رفيق راشدي
تعقيب
للأديب المصري / محمد البنا
…………………
النص:
رباعية الارض
1-نار
جسّدها ورقا، حاول لمسها؛ احترقت يداه، هرب من قلمه النافث لهبا.
2- ماء
استعار قلما باردا ليطفئ حريقه، حين ذاب الجليد؛ أغرقه، بينما كان يخرج الفقاعات من فمه، ابتعدت بزعانفها.
3-هواء
استفاق فوق سحابة، نظرته بوجهها الصبيح، مد يده ليمسكها، مضت بجناحين، تلاعبت به ريح عاصف.
4-تراب
شكلها من ماء وطين، نسمها الهواء، جملها، خاطبها؛ لم تجبه، ركلها، سقطت على رأسه، رُدم تحتها.
رفيق راشدي..الجزائر في يونيو ٢٠٢٢
__________________________
القراءة:
هي رباعية الأرض بعدد العناصر مرتبة وإن في ترتيب مغاير
هي أربعة نصوص معنونة تقرأ مستقلة. وأرى المعنى يستقيم بقراءة جامعة
ما يجمع النصوص شخصيتاها المتعاودتان هو وهي وخصائص الفاعلين وما في الحدث من فعل ورد فعل.
هذا ورق وقلم. هل نحن أمام حالة كتابة وتفلت الفكرة والصورة؟ هل هو المبدع يجلس إلى مكتبه ويستمطر سماء الإبداع؟ فلا تجود.
وهذه الهي: هي أنثى وكم اعتبرت الكتابة أنثى نغازلها! وكم اعتبرناها ملهمة تهمس إلينا بالوحي! وعرائس الإلهام في ثقافة الآخر معلومات وهن les muses. في عنصر الماء ذكرت الزعانف. فهل هي حوريةla sirène.
العلاقة بين الطرفين لا تنفك متوترة تقرب منه وإقصاء منها أو تمنع أو تدلل في غزل شعرائنا
حاول لمسها/ هرب
/ ابتعدت
باءت التجربتان بالفشل مرة هرب وأخرى ابتعدت. وفي الحالين كاد يحترق/ وكاد يغرق.
هل الإبداع إلى هذا الحد شاق وخطير؟
رأيناه هاربا من قلمه الناري إلى آخر من ماء. ورأيناه يغرق في الثانية وها هو يستفيق في الثالثة. ورأيناه في الأولى يجسدها على الورق. وها هو في الرابعة يشكلها من ماء طين. هذه عناصر تكسب النصوص الأربعة تماسكها البنائي
كانت الكتابة ثورة نارية ثم أشبهت الطوفان ثم صارت الفكرة سماوية مجنحة كأنها البراق la pégase نركبها فيجنح بنا الخيال.
ما بقي إلا عنصر التراب. أننزل بالنص من عليائه إلى همومنا الأرضية؟
شكلها من ماء وطين. أليس الخلق من طين، من صلصال، من حمإ مسنون؟ وهذا نسم الطين، التراب. ألم ينفخ في آدم من روحه؟ هل الأديب بعبارة أخرى خالق يحاكي المبدع الأول في صنعه.
كاد العنصر الأول يحرقه والثاني يغرقه والثالث يعصف به. أما الرابع فأجهز عليه. لم يكتف بخلق ما خلق بل جمله وخاطبه. والخالق خلقنا في أحسن تقويم وخاكبنا وعلمنا وأخذ ميثاقنا من ظهور آبائنا. لكن الإبداع تجاهل مبدعه مجددا. كان لطيفا مع ما خلق إلا أخيرا: ركلها. أأنكر كثافة الطين؟ فعنف به. أمات تحت انقاض إبداعه كما الجاحظ تحت الكتب في رواية؟
تحضرني مسرحية بيجماليون لتوفيق الحكيم أبولون المبدع نحت جالاتيا من عالم المثل فلما بعثت فيه الحياة زال عنها رونق المثل إلى كثافة الطين وهموم الإنسان اليومية فحطم التمثال. وهذا ركله. حان أجل بيجماليون بين يدي نرسيس. وهذا انهالت عليه صنيعته فردم تحتها.
رباعية ذات بناء محكم وروابط بين مكوناتها الأربع واقتصاد في العبارة غير مخل ورمز لعلني انتبهت إليه ولعلني توهمته.
خالد القبوبي…تونس في يونيو ٢٠٢٢
……………..
تعقيب
نصوص مميزة وقراءة ممتازة تناولت مجمل المتون وربطت بينهم ببراعة وحنكة نقدية، لي وقفة مع القراءة من باب ( نقد النقد ) وهو علم نقدي مستحدث، ليس الغرض منه القدح او المدح او الشخصنة، وإنما الاستدلال والحجة، لذا فقد ورد في القراءة متعارضان( التشبيه بالخالق والمخلوق/ المبدع وابداعه) ففي الأولى المعلوم قطعيا عقاب من الخالق لمخلوقه الذي تمرد وصبأ وكفر وألحد، بينما – كما ورد في المتن النصي٤- الابداع ردم مبدعه..لذا فالتشبيه غير موفق جزئيا.
اما توقفي عند النصوص الاربعة، فأجد نفسي قد توقفت عند النص الثاني متنيا لو كان انتهى عند ( أغرقه )….تحياتي للمبدعين الرائعين.
محمد البنا..القاهرة في يونيو ٢٠٢٢
Discussion about this post