أبي صار كاتبا
د سيد شعبان جادو مصر
تأخذ حياتي منحى جديدا، علي أن أبحث عن طريقة مبتكرة؛ ليعرف القراء بي، تابعت الصحف والمجلات، أرهقني هذا دون أن أجد ما تمنيت، الأبواب موصدة بقفل لا حيلة لي في فتحه، تبينت أنه عالم مغلق، يحتاج الكاتب أن يقدم قرابينا لذوي العتبة الخضراء، تساءلت:هل تموت كلماتي بين يدي وأقف أندبها، ماذا علي ؟
اخترت أن أتعاطى الحروف، وجدت ذلك رغم صعوبته وسيلتي ﻷن أتنفس الهواء، جربت حرفا كثيرة، كلما شغلت بواحدة منها سرعان ما أملها، أخيرا وجدت مساحة للبوح، يحلو لي السرد كما النهر يتتابع ماؤه، لاحت لي فكرة ربما تبدو غريبة، وهل يتعلق الناس بغير الجديد؟
كما يحلو للصبية الذين مزقوا ثيابهم؛ صارت تلك علامة العصرنة، ما أتفه ذلك، فيما مضى كانت تلك منقصة، يبدو أن الوافد يخطف الأبصار، ولأنني مغمور بين الناس لست ممن يحتفى بهم، جربت الكتابة في الصحف والمجلات ومن بعدها أخفقت مجددا،من المدهش أن مجلة مرموقة نشرت لي قصة، عرفت هذا بمحض المفاجأة ، تصفحت العدد، وقعت عيني على عنوان ربما يشبه مفرداتي، حقيقة الكاتب يعرف ببصمة مميزة، تابعت القراءة ، انتهيت من القصة وجدت أنني كتبت مثلها، المثير للدهشة أن كاتبها من المغرب، ولكنهم أغفلوا اسمي ووضعوا أبي وجدي عوضا عني، سررت لهذا، لكن أبي وهو الرجل ذو الثمانين عاما صار كاتبا، ما أغرب حرفة القلم !
الطريق لعالم القراء له حسابات أخرى،اهتديت لفكرة ؛أن أقف عند المخبز وأقرأ على القادمين فصولا من روايتي الجديدة؛ اعتقادا أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان!
أعرضوا عني فالبطون الضامرة لا تنظر بعيدا، أخيرا التمست لكلماتي عازف الناي يشدو بها، تطلب هذا أن يدفعوا له مالا،لكن من يسمع بكاتب يعيش في عالم النسيان يتجرع مرارة الكلمة وحده؟
صرت أمشي في الطرقات، وأخبر كل من أقابله أن لدي مهارة سبك الحروف فتصير خيوطا متفردة، تحاشاني الكثيرون فلا عهد لهم بدلال للكلمات، الصيف يحتاج ماء، والشتاء يلتمس دفأ، والفقر لا يصده وهج المعاني، تألمت كثيرا لما فعلته بنفسي، وفي النهاية قررت أن أكتب وأضع ما لدي في خزانة أمي، ثمة خطر تلوح نذره؛الفئران لاعهد لها، تفعل بما تجد السوء، العيون المتربصة أشد فتكا منها،تداخلت الأفكار، وجدت أن الحيلة تكمن في أن أمسك بقلمي وأرمي بتلك الكلمات لسطح النهر، ستتراقص سعيدة وهي تشدو بنغم متفرد، في الغد ربما تتجمع وتصير قصيدة جميلة، ومن الممكن أن تتحول لتيمة تصد غائلة الجرذان، وعلى أية حال سأوصد الباب حتى لا تذهب كلماتي بعيدا.
Discussion about this post