تعرف …..على سبعة بنت عبد شمس
امرأة أجارت في مخبئها آلاف الرجال.
بقلم الاديب …أيمن دراوشة
شخصيتنا النسائية لهذا الشهر ، هي امرأة من نساء العرب عاصرت حرب الفجار ، حيث تكشف لنا قصتها عن المكانة الرفيعة التي احتلتها المرأة في الجزيرة العربية . فقد تجاوزت موطن الرعاية إلى ما هو أسمى وأجل ، وأصبحت ملاذًا للهاربين والمطلوبين والمهزومين ، وبها يُستجار ، وإذا كانتِ البسوس بنت منقذ التميمية قد أشعلت حربًا من أجل ناقة رجل نزل ضيفًا عليها ، فإنَّ سبيعة قد أجارت في مخبئها آلاف الرجال ، وكان يكفي لأي رجل أن يعقد رداءه بحبل خبائها أو سرادقها ، او أي شيء يمتُّ إليها ، حتى وإن دار حول خبائها إلا أصبح آمنًا ، وهكذا أصبحت ساحة خباء سبيعة في حرب الفِجَار هي الملجأ الآمن لكل مستجير أو خائف.
كما اشتهرت سبيعة بأنها شاعرة من شاعرات العرب ، وقد رثت عمها المطلب بن عبد مناف بعد وفاته بقصيدة لا تزال معروفة حتى الآن ، ومنها قولها:
أعيني جودا على المطلب بوبل وماء له منسكب
وتنتمي سبيعة إلى عائلة من أكبر وأشرف عائلات مكة وسادات قريش ، ولعل نسبها إلى قريش هو الذي جعلها تعيش حالة من التمزق الوجداني والروحي ، ودفعها لتتخذ موقفًا كان له أبعد الأثر في حقن دماء آلاف الرجال في حرب الفجار التي نشبت بين قبيلتين من أكبر القبائل العربية ، هما قبيلتا قيس وكنانة ، وكانت سبيعة بحكم قرابتها وبحكم زواجها تجمع النقيضين المتحاربين داخل قلبها.
ومن طرائف الأمور ، أَنَّ الذي تولَّى قيادة جند كنانة هو حرب بن أمية بن عبد شمس وهو ابن أخيها ، ولها عليه ما للعمة على ابن أخيها بحكم قرابة الدم ، أَمَّا الذي تولى قيادة جند قيس فهو سيد بن ثقيف مسعود بن مالك الثقفي ، وهو زوج سبيعة أيضًا ، ولها عليه ما للزوجة من حقوق.
وما أنِ اندلعت حرب الفِجَار بين قيس وكنانة ، حتى أحَسَّت سبيعة بهذه الحرب تقضي مضاجعها وتكوي ضلوعها ، وَتُفجِّر في داخلها حربًا لا يمكن تلافي خسائرها على الإطلاق ، فإذا انتصرت كنانة فقد انتصر قومها ، وقُتِل زوجها مسعود ، أَمَّا إذا انتصرت قيس فقد انتصر زوجها وانتصر قوم أبنائها الأربعة ، وَقُتِل في نفس الوقت حرب ابن أخيها أمية.
اندلعت حرب الفِجَار ، وخرجت سبيعة مع زوجها مسعود بعد أن صنع لها خباءً خلف جنده ، وحين دخل عليها مرةً وجدها تبكي ، فقال لها :
ما الذي يبكيك؟
فقالت : أبكي لما عسى أن يصيب قومي.
فقال لها مسعود : من دخل خباءك من قريش فهو آمن.
وبذلك كان مسعود بهذا التكريم قد خفف عن زوجته سبيعة العذاب والألم ، وقد قامت من فورها تجمع كل ما يصل إليها من حبال وأقمشة ، وتصلها كلها بخبائها ؛ حتى تستطيع استيعاب أكبر عدد ممكن من بني كنانة ، فلم يَبْقَ حبلٌ إِلا رُبط بهذا البيت وبه رجل من كنانة ، واشتدت المعارك ، ولم تلبث أنْ دارت الدائرة على بني قيس ، وحين غُلبَ مسعود على أمره ، اندفع إلى سبيعة وجعل أنفه في صدرها وقال :
– انا بالله وبك.
فقالت : زَعَمْتَ أَنَّكَ ستملأُ بيتي من أسرى قومي ، اجلس فأَنت آمن.
وما هي إلا ساعات حتى انهزمت قيس ، فهرعَ الرجالُ إلى نحو خباء سبيعة يستجيرون بها ، وكان حرب بن أمية قد أجار لسبيعة جيرانها وقال لها:
يا عمة مَنْ تَمَسَّكَ بأطنابِ خبائك ، أو دار حوله فهو آمن.
فنادت سبيعة بذلك ، فهاجَ الرجالُ وأسرعوا إليها ، فاجتمعَ خلقٌ كثير من بني قيس حتى ضاقَ بهم المكان ، وراحوا يدورون حول الخباء ملتمسين النجاة.
وبهذا المشهد الرائع لخباء سبيعة بنت عبد شمس الذي حمى آلاف الرجال من قيس وكنانة انتهت حرب الفِجَار ، وقد سُمِيَّ هذا الموقع منذ ذلك اليوم ، بمدار قيس ، وأصبح يُضرب به المثل.
Discussion about this post