دعوة إلى العشاء,,,, دكتورة “عايدة قزحيا“
دكتورة “عايدة قزحيا”
كنتُ في الرّابعة عشرة من عمري عندما سمعت أمّي تقول لأبي بأنّها تريد اصطحابي معهما إلى دعوة عشاء من قبل أحد أصدقائهما باعتباري تخطّيت مرحلة الطّفولة…
فَرِحتُ بهذا الأمر، ورحتُ أتدرّب على تناول الطّعام “عالإتيكيت” فوضعت “حصّ الزّيتون” في صحن مسطّح، ورحتُ أُعْمِلُ فيه الشّوكةَ وَخْزًا وطعنًا، وبدأتُ أطاردُهُ من جهة إلى جهةٍ داخلَ الصّحنِ، وهو ينزلقُ من تحت أسنان الشّوكة التي تَعِبَتْ من الرّكضِ خلفَهُ، ولهاثُ رنينها يعلو شيئًا فشيئًا، فكأنّك تسمعُ معزوفةً عسكريّة في ساحة القتال، بينما كان هو يتلوّى أمامي ويتراقص كالثّعبانٍ…
ثمّ قمتُ وقوفًا ورحتُ أقفزُ من جهةٍ إلى أخرى قفزاتٍ بهلوانيّة لو رآها أستاذ رياضة لخطر في باله إقامة مباراة في “كرة الزّيتون”.
وتابعتُ محاولاتي الّتي كانت تبوء بالفشل، وازدادت حماستي بعنفٍ أقوى وملاحقةٍ أسرع، وخلتُ نفسي أمامَ ملاكمٍ جبّار لا يُقهَر، فاستأسدَ العنفوانُ في نفسي، وما زلتُ أُعْمِلُ الشّوكةَ فيه يمنةً ويسرةً، صعودًا ونزولًا، وصورةُ عنترةَ لا تفارقني، فأستمدُّ منه ضرباتِ بطولةٍ لا نظيرَ لها.
وبلحظةٍ حاسمةٍ شنَنْتُ هجومًا شرِسًا على ذاك “الحصّ” الّذي أعيَتْنِي السّيطرةُ عليه، فإذا بهِ يفرُّ هاربًا من باب شرفةِ المطبخِ ليستقرَّ في أحدِ صحون الجيران الّذين يسكنون في الطّابق الأرضيّ حيث تمتدّ شرفتهم اتّساعًا بقدر ما تمتدُّ أيدي السّياسيّين إلى المالِ العام…
وشعرتُ بإحباطٍ عظيم، وخجل لا يوصفان، وأخذ عرق الخزي والهزيمة يتصبّب من جبيني، وفي نفسي انكسارٌ كبير.
ماذا سأفعل يوم السّبت في العشاء؟
يا إلٰهي!!!
ماذا سأفعل؟
وقرّرت أنْ لا أتناول الزّيتون مطلقًا كي لا أتورّط في المقامرة بتلك المغامرة…
… وحُسِمَ الأمر.
دكتورة “عايدة قزحيا”
“من جعبة الحضارة”
Discussion about this post