– السرداب –
عبد الهادي جاب الله
عندما يصبح الإنسان غير قادر على مواجهة متطلبات الحياة وهو يعلم في قرارة نفسه مدى الضغوط والأعباء التي فرضتها عليه فرضاً ، وعدم قدرته على توفير حياة كريمة آمنة ينعم بها هو وأسرته ، في حين أنه يعيش حالة من الصراع ما بين عدم قدرته على تحمل تلك الأعباء وما بين زهو الحياة الأخرى التي تتحدث فقط بإسم المال والشهرة، حيث تفقده السيطرة على نفسه وتُوهِن من عزيمته فيقوم بالبحث عن تلك الحياة التي تتاح له فيها كل الإمكانيات ويحصل عليها بالفعل، لكن لا يهم متى و كيف، و ذلك في ظل وجود عبث مجتمعي يُطيح بكل القيم والمباديء الإنسانية أرضًا ، ويعمل على نزع كل اللوحات القديمة من أماكنها ووضع لوحات أخرى توضح أن المال هو القوة المسيطرة.
فقد أصبح من السهل على الإنسان التخلي عن جذوره وخيانة الأمانة التي حمَّلها له آباؤه وأجداده ، و قطع كل الروابط المجتمعية من أجل الإغراءات الرخيصة التي تقدمها إليه تلك الحياة الزائلة وهي في الحقيقة لا تساوي شيء .
كل المؤشرات في الفترة الأخيرة توضح أن المخدرات هى الظاهرة السلبية الوحيدة التي تهدد بإنهيار أخلاقي حاد ، بل وتعمل على تنشيط وإنتشار عمليات السرقة والقتل ؛ حيث أن الإتجار بها وتعاطيها يشكل خطرا جثيما على الثروة البشرية، والمدهش أن الفئة العمرية مابين الثانية عشر والثامنة عشر هم من يحتلون الصدارة في عملية التعاطي والإتجار بها ، ومن ثم تتغيب عقولهم لتَعُم الفوضي داخل المجتمع وتنتشر الظواهر المنبوذة مثل السرقة والتسول والقتل والاغتصاب وغيرها من الأعمال المشينة .
اليد الواحدة لا تصفق ، ولا تصح صلاة الجماعة من غير مصليين هكذا تعلمنا ، فإذا كان هناك مجتمع قد طفح به الكيل من كثرة الظواهر السلبية ولم يُلْق لها أي إهتمام، سيصبح مجتمع عقيم يعيش متشبعاً بجهله و لم يدفع الثمن سوى الأجيال القادمة فقط .
دعونا نجلس برهةً من الوقت مع أنفسنا ونعود للخلف على بعد خطوة لنسترجع معاً كيف كانت الحياة ، سنجدها مختلفة تماما بكل تفاصيلها ِ؛ لم يكن الماضي مجرد ذكرى بل هو حقيقة حتمية وله كل الأثر في حياة البشر ، فيجب التمسك به وبتفاصيله التي كانت سببا واضحا في بناء الأجيال ويجب أن تكون منه البدايات.
كانت فترة زمنية تحكمها مجموعة من القوانيين والأعراف التي تعمل جميعها لمصلحة الفرد أولا قبل أي شيء ، لأن الفرد هو النواة الأولى في بناء المجتمع ، لذلك الحفاظ عليه ورعايته أمر مهم للغاية ، ويجب إعداده والإهتمام به من أجل مواجهة التحديات والمتغيرات التي يتعرض لها العالم يوما بعد يوم .
هل يستسلم المجتمع بجميع كياناته ويُسلِّم لجميع ما يحدث، ويجلس في مدرجات المشاهدين ليشاهد فقط تلك المهازل، ويترك شباب في سن الزهور تذهب أعمارهم هباءً ، وهل دور الأسرة اليوم مقتصر على إطعام الأبناء وبناء أجسام تخرج فقط في الساحات والميادين ليتبارزوا…؟
إن ما يحدث اليوم من تجاوزات تهدد بأمن وأمان المجتمع هو من صنع أيدينا نحن ، لقد كنا مقصرين في تربية أبنائنا وعجزنا عن حل مشاكلنا ،وكنا دائما نستعين بمن يُكِنُّوا لنا في صدورهم كل الحقد والكراهية، تباً لكم يا من هجرتم ماضيكم ، تباً لكم يا من تبرأتم من جلودكم وارتديتم عباءات غيركم ، عودوا إلى الله ،عودوا لإنفسكم ، فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته .
Discussion about this post