مِزَادُ اللَّيْلِ
فِي مَمَرَّاتِ المَدِينَةِ
تَتَدَلَّى لَافِتَاتٌ خَانِقَةٌ
تَطْمِسُ صَوْتَ الحَقِّ،
وَتُرَوِّجُ لِبَضَائِعَ
لَا يَمَسُّهَا نُورُ الضَّمِيرِ.
وَعَلَى الأَرْصِفَةِ،
تُسَاقُ الأَجْسَادُ كَأَضْلَاعٍ مَكْسُورَةٍ
فِي مِزَادٍ صَامِتٍ
لَا يَسْمَعُ أَنْفَاسَهُ إِلَّا العَارُ.
وَرُودُ الرَّبِيعِ،
تَهْوِي فِي أَوْحَالِ ضَيَاعٍ مُرٍّ،
تَبِيعُ خَجَلَهَا لِسَاعَةِ جُوعٍ،
وَتَرْتَجِفُ عَلَى حَافَّةِ النُّذُورِ المُنْتَزَعَةِ.
أَيُّ حَضَارَةٍ هَذِهِ؟
تَرْفَعُ شِعَارَاتِهَا نَهَارًا،
وَتَلْفِظُ خِزْيَهَا
تَحْتَ أَهْدَابِ اللَّيْلِ.
أَيْنَ حُقُوقُ الإِنسَانِ؟
تَخْنِقُهَا خُطُوطُ الفَقْرِ،
وَيُلَوِّحُ بِوَجْهِهَا
سَادَةُ الظِّلَالِ
وَهُمْ يُسْدِلُونَ سُتُورَهُمْ
عَلَى صَرَاخٍ لَا يُرِيدُونَ لَهُ أَنْ يَصِحَّ.
وَفِي زَوَايَا الطُّرُقَاتِ،
تَمْضِي وُجُوهٌ مُنْهَكَةٌ
تَحْمِلُ أَيَّامَهَا كَصُخُورٍ
تَتَدَحْرَجُ فِي صَدْرِ الزَّمَنِ.
أَحْلَامٌ مَشْقُوقَةُ الجَنْبِ،
تَتَشَبَّثُ بِمَا بَقِيَ مِنْ ضَوْءٍ،
وَتَجُوبُ النَّاسَ
كَطَيْرٍ فَقَدَ وِجْهَتَهُ
فِي رِيَاحٍ لَا تَهْدَأُ.
وَفِي غُرْفَةِ اللَّيْلِ،
تَتَسَاقَطُ سِرَاجَاتٌ خَامِدَةٌ،
يُطِلُّ مِنْ نَافِذَتِهَا
وَجْهُ العَالَمِ المُتْعَبِ،
مُثْقَلًا بِوَجَعِ
مَنْ لَمْ يَجِدُوا لِلصَّوْتِ طَرِيقًا.
تَنْحَنِي الخُطَى،
وَتَلُفُّ الظِّلَالُ أَصْوَاتَ الضُّعَفَاءِ
بِغُبَارٍ يُعَمِّي العُيُونَ
عَمَّا يَدُورُ تَحْتَ السَّطْحِ.
وَتَبْقَى المَدِينَةُ
تَتَنَفَّسُ فِي صَدْرِهَا
صَمْتًا يَتَّسِعُ
حَتَّى لَا يَبْقَى هُنَاكَ
إِلَّا وَقْعُ خُطُوطٍ
تَتَجَرَّعُ مَصِيرَهَا
وَتَمْضِي.
وَإِذَا انْفَلَقَ الصُّبْحُ،
تَنْكَشِفُ الوُجُوهُ الَّتِي
تَخَفَّتْ خَلْفَ أَقْنِعَةِ اللَّيْلِ،
فَيَنْبَسِطُ العَارُ
كَسَهْمٍ مَغْمُوسٍ بِجُرْحِ الإِنسَانِ.
تَتَشَقَّقُ الجُدْرَانُ
مِنْ ثِقَلِ الصَّمْتِ،
وَيَصِيحُ الضَّمِيرُ
كَسَجِينٍ يَضْرِبُ بِيَدَيْهِ
عَلَى حَدِيدِ القَهْرِ.
هُنَاكَ—فِي هُوَّةِ الحَقِيقَةِ—
يَتَحَطَّمُ زَيْفُ المَدِينَةِ،
وَيَنْبُتُ سُؤَالٌ
أَفْدَحُ مِنْ كُلِّ مَا سَبَقَ:
هَلْ سَقَطَ الإِنسَانُ…
أَمْ سَقَطَتْ عُيُونُنَا
عَنْ رُؤْيَتِهِ؟
بقلم الشاعر
مؤيد نجم حنون طاهر
العراق






































