متى تهدّم بنية الأبناء النّفسيّة؟؟
من أخطر التّجارب الّتي قد يعيشها الأبناء في بيئة الأسرة، أن يكونوا شهودًا على إهانة والدتهم، لا سيما حين تتكرّر هذه الإهانة وتصبح مشهدًا مألوفًا في حياتهم اليوميّة. في مثل هذه الظّروف، يتغيّر المشهد الدّاخلي للطّفل تمامًا، وتتبدّل موازين العلاقات الّتي تربطه بوالده، فتتحوّل من علاقة قائمة على الاحترام والثّقة والحبّ، إلى علاقة متوترّة يطغى عليها الشّعور بالغضب والخذلان والانكسار. فالأب الّذي كان يُفترض أن يكون قدوة وحاميًا ومصدر أمان، يصبح في نظر أبنائه خصمًا مباشرًا، ليس فقط لوالدتهم، إنّهم يرون أنفسهم امتدادًا لها، ويرتبطون بها وجدانيًا برباط قوي يجعل أيّ إهانة تطالها تمسّهم في كرامتهم وإنسانيّتهم.
لا يمكن التّقليل من أثر العنف اللّفظي أو المعنوي تجاه الأمّ أمام الأبناء، فهو لا يُخدّش كرامة المرأة فحسب، يترك في نفوس الأطفال شرخًا عميقًا قد يصعب التئامه. إنّهم لا ينسون تلك المواقف، تبقى محفورة في ذاكرتهم، تؤثّر في نظرتهم للعلاقات، وتشكّك في معنى الرّجولة، وتزعزع ثقتهم بمؤسسة الأسرة. والأسوأ من ذلك أن يتكرّر المشهد إلى حدّ التّطبيع، فيصبح الطّفل مشوّهًا وجدانيًّا، إمّا بأن يتقمّص دور المعتدي لاحقًا، أو أن يكبر وهو يحمل في داخله رفضًا عميقًا لأيّ علاقة قد تضعه في موقع الشّبه بأبيه.
المشكلة لا تكمن فقط في لحظة الإهانة، في تبعاتها الممتدة، إذ إنّ كلّ تكرار لهذا المشهد يعمّق المسافة بين الأب وأبنائه، ويغذي فيهم مشاعر التّمرّد أو الصّمت الموجع أو حتّى الكراهية. هؤلاء الأبناء يكبرون وفي داخلهم سؤال حائر: كيف يمكن لمن يفترض أنّه الحامي والدّاعم أن يكون مصدر الألم والخوف؟ وكيف يمكنهم بناء علاقات سويّة في المستقبل، وهم لم يروا في بيتهم سوى صورة مهزوزة للحبّ والاحترام؟ الأسرة الّتي تُبنى على القسوة تفقد معناها الجوهريّ، فتصبح مكانًا للخوف، وللكراهية، وللكبت.
حين يُهين الأب أمّ أبنائه أمامهم، فهو لا يُسقِط فقط مكانته في قلوبهم، يهدّم شيئًا جوهريًّا في بنيتهم النّفسيّة، ويخلق حالة من الاضطراب الّتّي قد تظهر لاحقًا في شكل عنف، اكتئاب، اضطراب هويّة، أو حتّى في الفشل في بناء أسرة متماسكة. إنّ الأمر لا يتعلق بخطأ عابر يمكن تجاوزه، جريمة صامتة تتكرّر داخل الجدران دون أن تُقرَع لها أجراس الإنذار.
لذلك، من الضّروري أن يُدرك كلّ أب أنّ احترامه لأمّ أبنائه ليس فقط واجبًا أخلاقيًّا أو دينيًّا، هو شرط أساسي لصحة أبنائه النّفسيّة والعاطفيّة. فالأب الحقيقي هو من يعرف أن مكانته لا تُبنى بالقوّة ولا تُثبت بالإهانة، تُرسّخ بالمحبّة، بالعدل، بالاحترام، وبالقدرة على أن يكون قدوة حقيقيّة في كلّ ما يقول ويفعل.
للاإيمان الشباني






































