لي، ليلٌ يربّتُ على ظهري
مثلُ مُعلّمٍ عجوزٍ لم يعد يثقُ في المنطق،
أُخرِجُ له كأسًا من نبيذٍ فاسدٍ
وأشرحُ له أسباب الخسارة،
فيلوي خيطَ الدّخانِ على شجرةٍ
من الذّكرياتِ الّتي لم أعشها،
ثمّ يضحك فيتساءل:
هل يمكن للإنسان أن يخسر ما لم يملك؟
لي، ظلٌّ يتقدّم عنّي بمترٍ،
يُغازلُ أعمدةَ الكهرباء
ويحفظُ أسماءَ القرى الّتي لم تزرها قدماي،
أتبعهُ كما يتبعُ جنديٌّ صوتَ طبولٍ خجولة،
وحين أبلغهُ يختفي في قصيدةٍ لا أعرفُ كاتبها،
فيتساءل:
من الّذي يكتب مَن، أنا أم ظِلّي؟
لي، مرآةٌ ترفضُ صورتي،
تنحرفُ برمشِها يمينًا
كأنّها تعتذرُ عن استقبالِ امرأةٍ نصفها دخانٌ
ونصفها خمرٌ معتّقٌ في صدري،
أقتربُ منها وأضعُ يدي على خدّها الزّجاجي،
فتهمس:
كم نسخةً منكِ يجب أن تنطفئ كي تولدي مرّة؟
لي، موسيقى تهربُ من أصابعي
كلّما حاولتُ لمسَ وريدِ العالم،
أرقصُ معها رقصةً مكسورة،
تتعثّرُ عند نبضي
وتنهضُ عند جرحٍ قديم،
ثمّ تستندُ على كتفي وتسألني
بصوتٍ يقطرُ سُكرًا:
ولماذا نعزفُ إن كان الصّمتُ أصدق؟
لي، ريشةُ طائرٍ
سقطتْ في يدي ذاتَ فجرٍ
كوصيّةٍ من سماواتٍ أعمقَ من النّوم،
حملتها مثل تعويذةٍ
ومشيتُ بها إلى آخر الطّريق،
فلما خفتُ أن تضيع
سألتُها:
هل تُنقذُ الرّيشةُ مَن يسقطُ أم تكتفي بأن تذكّرهُ أنّه كان يطير؟
لي، أوجاعٌ تلمعُ في داخلي ككعبٍ حادٍّ
أرتديه لأختبرَ الأرض،
تلدغُني كشرارةٍ على ساقٍ ممدودة،
ثمّ تشدّ خصري لتذكّرني أنّني أصنعُ قسوتي بيدي،
وتسأل: أيُّ أنوثةٍ هذه الّتي تتقوّى من وجعٍ يرقص فيها؟
ولي، خيباتٌ أرتّبها تحت قدمي
كدرجاتٍ أعلوها بكعبي العالي،
تشقّ قلبي بنبلٍ جافّ
وتتركني واقفةً كتمثالٍ لا ينكسر،
ثمّ تقترب وتهمس ببرودةٍ مترفة:
أليس السّقوطُ نفسه هو ما يعلّمكِ كيف ترتفعين؟
أمشي،
وأمشي،
كأنّني أختبرُ العالمَ بكعبٍ يقرعُ حجارةَ الطّريق،
وأتركُ خلفي ظلالًا كانت أثقلَ من جسدي،
أجمعُ ما سقطَ من أيّامي
وأعلّقهُ على كتفي كوشاحٍ من نجاةٍ بطيئة،
ثمّ أضحكُ تلك الضّحكة الّتي لا تُشبه أحدًا
إلّا امرأةً صاغتْ نفسها
من وجعٍ حادّ،
ومن خيبةٍ صلبة،
ومن خطوةٍ لا تتراجع
وتسأل العالمَ كلّه:
هل تراني الآن؟ أم ما زلتَ تتعلّم كيف تُبصر؟
ريان الهليس






































