الحدث التًاريخي (الصحراء)
هنيئا لنا بقرار الصّحراء، هذا الحدث التّاريخي الّذي انتظرته الأمّة المغربيّة خمسين سنة من الصّبر والنّضال والوحدة والثّبات. لقد كانت الصّحراء المغربيّة على مدى عقود عنوانا للقضيّة الوطنيّة الأولى، ومجالا تجلّت فيه أسمى معاني الوفاء للوطن والولاء للعرش العلوي المجيد. خمسون سنة من التّحدّيات والمؤامرات، من المحاولات الّتي سعت إلى طمس الحقيقة وتشويه التّاريخ، لكنّها كانت أيضا خمسين سنة من الإصرار والإيمان بعدالة القضية، ومن الإخلاص الّذي سكن قلوب المغاربة في الشّمال والجنوب والشّرق والغرب، مؤمنين أنّ الصّحراء كانت وستظلّ مغربيّة إلى الأبد.
إنّ القرار الأخير الّذي أكّد مغربيّة الصّحراء لم يكن وليد صدفة أو مجاملة سياسيّة، ثمرة مسار طويل من العمل الدّبلوماسي المتّزن والرّؤية الحكيمة لجلالة الملك محمد السّادس نصره الله، الّذي استطاع أن يجعل من هذا الملف نموذجا في الصّبر الإستراتيجي، ودرسا في أنّ الحقّ حين يُدافع عنه بالمنطق والعقل والعدل لا بدّ أن ينتصر. لقد تحوّلت الصّحراء من ملف نزاع إلى رمز لوحدة وطنيًة متينة، ومن قضية حدود إلى رسالة سلام وتنمية تمتدّ إلى عمق إفريقيا، لتقول للعالم إنّ المغرب لا يطلب إلّا حقّه التّاريخي المشروع، وإنّه يمدّ يده إلى كلّ من يريد التّعاون والبناء بدل التّفرقة والعداء.
هذا القرار التّاريخي ليس انتصارا سياسيّا فحسب، هو انتصار للذّاكرة الوطنيّة الّتي حفظت العهد منذ المسيرة الخضراء الّتي قادها المغفور له الحسن الثّاني، حين لبّى الشّعب نداء الوطن وسار رجالا ونساءً يحملون المصحف والعلم المغربي في مشهد لا يُنسى. واليوم تتجدّد تلك الرّوح الوطنيّة في نفوس المغاربة وهم يرون العالم يعترف بمغربيّة الصّحراء، فتغمرهم الفرحة الممزوجة بالاعتزاز والفخر، لأنّ النّصر الّذي يأتي بعد نصف قرن من الثّبات يكون أبلغ من كلّ انتصار عابر.
لقد برهن هذا القرار على أنّ الزّمن لا يُضعف الحقّ، يزيده قوّة ومشروعيّة، وأنّ الصّبر السّياسي حين يُبنى على الثّوابت الرّاسخة والعقلانيّة الصّلبة، يثمر نتائج تتجاوز التّوقّعات. فالصّحراء اليوم ليست فقط أرضاً استرجعها المغرب، أصبحت فضاءً للتّنمية والازدهار، ومركزاً للتّواصل بين المغرب وعمقه الإفريقي، وجسراً للتّعاون الدّولي في مجالات الأمن والطّاقة والاستثمار.
إنّ فرحتنا بهذا القرار هي فرحة أجيال ناضلت من أجل كرامة الوطن، وفرحة شهداء ضحّوا بأنفسهم ليبقى التّراب طاهراً حرّاً، وفرحة ملك حكيم استطاع أن يوصل صوت بلاده إلى العالم بوضوح وثقة واحترام. وهي أيضا فرحة شعب آمن أنّ وحدة الوطن فوق كلّ اعتبار، وأنّ الدّفاع عن الأرض لا يكون بالسّلاح فقط، إنّما بالعلم والعدل والعمل والمثابرة.
هنيئا للمغرب بهذا النّصر الّذي خطّه التّاريخ بمداد من نور، وهنيئا لكلّ مغربيّ ومغربيّة آمن أنّ حبّ الوطن ليس شعاراً إنّما عهد لا يُنقض. إنّ مغربيّة الصّحراء اليوم لم تعد موضوع نقاش، أصبحت حقيقة ثابتة ترسّخت في الوعي العالمي كما ترسّخت في وجدان الأمّة منذ قرون. لقد انتصر الحقّ، وارتفعت راية الوطن عالية خفّاقة فوق رمال الصّحراء الّتي كانت شاهدة على الإصرار، وها هي اليوم تشهد على النّصر المبين.
للاإيمان الشباني






































