شبح الدولار فوق الليرة.. هل يكفي رفع تعرفة الكهرباء لإنقاذ قطاع الطاقة من الانهيار؟
تقرير: سلمى صوفاناتي
أولًا: التكلفة الحقيقية للانهيار
في تشرين الثاني/نوفمبر 2025، اتخذت الحكومة السورية قرارًا وُصف بأنه «رصاصة اقتصادية» بعدما رفعت تعرفة استهلاك الكهرباء بنسب غير مسبوقة وصلت في بعض الشرائح إلى ستين ضعفًا. هذا القرار لم يكن مجرد تعديل سعري، بل إعلان صريح عن عمق الأزمة التي يعيشها قطاع الطاقة، والذي بات يستنزف المالية العامة نتيجة الهوة الواسعة بين تكلفة الإنتاج المحسوبة بالدولار، وبين سعر البيع المدعوم بالليرة السورية المتراجعة.
– اقتصاد مرتهن للوقود المستورد :
يُعزى التحرك الحكومي بالدرجة الأولى إلى التضخم المرتبط بانهيار سعر الصرف، إذ تبلغ تكلفة إنتاج الكيلوواط الساعي نحو 15 سنتًا أمريكيًا، في حين كان يُباع سابقًا بسعر لا يغطي جزءًا يسيرًا من تلك التكلفة. هذا الخلل أدى إلى:
عجز سنوي يناهز مليار دولار يثقل كاهل الخزينة ويهدد بوقف المنظومة الكهربائية كليًا.
تبعية شبه كاملة للدولار نتيجة اعتماد قطاع الطاقة على استيراد الغاز والفيول، ما يزيد الضغط على الموارد المحدودة من العملة الصعبة مع كل تراجع جديد في قيمة الليرة.
-الهدر البنيوي… والمواطن هو من يدفع الثمن :
ورغم أن رفع التعرفة جاء كحل مالي عاجل، إلا أنه لا يقترب من جوهر المشكلة المتمثل في الخلل الهيكلي والإداري داخل القطاع:
فاقد الشبكة يصل إلى 50% من الطاقة المنتجة بسبب تهالك البنى التحتية والتجاوزات على الخطوط، ما يعني أن نصف الإنتاج يضيع قبل أن يصل إلى المستهلك.
موجة تضخمية مرتقبة، إذ ستتجه المنشآت الصناعية والتجارية لرفع أسعار منتجاتها لتعويض تكلفة الكهرباء الجديدة، ما ينقل العبء مباشرة إلى المستهلك النهائي ويُشعل دورة تضخم إضافية.
– خارطة طريق: الإصلاح أولًا… لا التسعير :
قد يكون رفع الأسعار ضرورة مالية لا مفر منها، لكنه سيبقى إجراءً محدود الأثر ما لم يُدمج ضمن رؤية إصلاحية شاملة تقوم على:
التحول الجاد نحو الطاقة المتجددة عبر الاستثمار في الشمس والرياح لتقليل الاعتماد على الوقود المستورد.
معالجة الفاقد من خلال تحديث الشبكات ومكافحة الاستجرار غير المشروع وضبط الهدر التقني والإداري.
تبني الدعم الموجّه عبر تقديم مساعدات نقدية للفئات الأكثر هشاشة بدل الدعم الشامل الذي يلتهم الميزانية دون عدالة.
تشجيع استثمارات القطاع الخاص في التوليد والتطوير لرفد المنظومة بالتمويل والخبرات اللازمة.
-الخلاصة: ضرورة مؤلمة… وفعالية مشروطة …
رفع تعرفة الكهرباء خطوة مؤلمة لكنها جاءت لتجنب انهيار كامل لمنظومة الطاقة. إلا أن نجاحها يبقى مشروطًا بقدرة الحكومة على تنفيذ إصلاحات هيكلية حقيقية تُحسّن جودة الخدمة وتخفض الفاقد وتُعيد التوازن المالي للقطاع. أمّا الاكتفاء برفع الأسعار دون تحسين الأداء، فسيحوّل التعرفة الجديدة إلى مجرد ضريبة يدفعها المواطن لتمويل الأعطال ذاتها… والأخطاء ذاتها.






































