“المامبو سوداني” – اللحن الذي حوّل سيد خليفة إلى سفير أفريقي عابر للحدود
بقلم : سلمى صوفاناتي
في زمن كانت فيه الموسيقى بمثابة بطاقة تعريف للأمم، لم يكن الفنان السوداني الراحل سيد خليفة يدرك أن لحنًا واحدًا سيتحول إلى جواز سفر فني للغناء السوداني عبر عواصم العالم العربي. أغنية “المامبو سوداني”، التي ظهرت أواخر خمسينيات القرن الماضي، ليست مجرد نغمة راقصة، بل هي وثيقة فنية تؤرخ للحظة عبقرية في صهر الثقافات.
رحلة ميلاد من روما إلى النيل
تعود قصة اللحن إلى تأثر سيد خليفة بالإيقاع العالمي الذي رافق موجة رقصة المامبو. فبعد مشاهدته للفيلم الإيطالي “آنا” عام 1951 والأغنية الشهيرة “Mambo Italiano”، أدرك خليفة الإمكانية الكامنة في تحويل هذا الإيقاع اللاتيني الصاخب إلى لغة نيلية خالصة.
كانت عبقرية خليفة الحقيقية تكمن في “التوطين الفني”؛ حيث قام بتطعيم اللحن الغربي بالإيقاع السوداني المُميز، ليقدم نسخة تتسم بالهوية الأفريقية الأصيلة. وقد صاغ الشاعر عبد المنعم عبد الحي كلمات الأغنية البسيطة والعفوية التي كرست الفخر الوطني: “المامبو سوداني… يا حليلو سوداني”.
من أيقونة محلية إلى “سفير جوال”
نجاح “المامبو سوداني” لم يبق حبيس الخرطوم. فقد مثلت هذه الأغنية لجمهور المتلقي العربي كُوّة الأمل التي فتحت مسارًا جديدًا للغناء السوداني للاندياح والانتشار.
اقتحام السينما المصرية: شكل استخدام الأغنية في الفيلم المصري الشهير “تمر حنة” عام 1957 (بطولة نعيمة عاكف ورشدي أباظة) نقطة انطلاق كبرى. هذا الظهور السينمائي المدوّي هو ما جعل من سيد خليفة “سفيرًا فنيًا جوالًا” يعرف به الفن السوداني في كافة الدول العربية.
تغيير معادلة الإبداع: خالفت الأغنية النمط السائد في الفن السوداني آنذاك، الذي كان يضع الكلمة المعقدة أولًا. “المامبو سوداني” ركزت على تزاوج الإيقاع السهل الممتنع مع المفردة العفوية، مما منحها قوة انتشار هائلة.
سيد خليفة، بأدائه الدرامي وحضوره المسرحي الطاغي، ضمن لهذه الأغنية مكانة أيقونية، جاعلاً منها ورفيقتها “ازيكم كيفنكم” الافتتاحية الأساسية لحفلاته التي كانت تشهد تفاعلاً حماسياً لا يُنسى.
“المامبو سوداني” لم تكن فقط أغنية، بل كانت بيانًا فنيًا أثبت أن الفن الحقيقي لا يعترف بالحدود، بل يعيد تشكيلها بروح وطنية متجددة. الأغنية لا تزال حتى اليوم صدى خالدًا لـملتقى النيلين في الموسيقى العالمية.






































