“أقلامُ الطَّعن ”
كأنَّ اللّغةَ تفقدُ رئةَ الفكرةِ الأخيرة،
تتدلّى من شُرفةِ الذّاكرة،
تتنفّسُ فصلَ المغيب،
وتتكوّرُ في فمِ الحنينِ المبلَّلِ بزيتِ الغياب.
كأنَّ الأوراقَ نبتتْ أضلاعًا،
وشبّتْ على حبرٍ من عظامِ الصًمت،
مغربُها الأخير،
كأنَّ الحروفَ تعلّمتِ التّهجّي
بأظافرَ مُخضَّبةٍ بدمِ المراوغة.
كأنَّ المعاني خرجتْ عاريةً،
تبحثُ عن ظلٍّ يُشرّعُ لها نافذةً
تعفَّنتْ بقناعِ الكراهية
بينَ الوجودِ والفناء.
كأنَّ الوقتَ انكسرَ عندَ مِفصلِه الرّابع،
فانسكبَ على شفةِ القصيدة
ريقُ نزفٍ مملّحٌ بالدّمع.
تتلمّسُهُ الحواسّ،
فلا تميّزُ بينَ شهقةِ الخبر
وكلَّ هذا التّبرّج، هنا، طارَ اللّحافُ بعدَ ريحٍ عاصفةٍ من صمتٍ
يعمُّ المكانَ… فمن الملام؟
وجمرةِ الجسدِ المتأجّج.
وها هو الوعيُ
يتعثّرُ في فواصلَ
اختارتِ الصّمتَ دينًا لها،
يُدندنُ عندَ النّقاطِ الأخيرة:
أيُّها الجلّادُ الأكثرُ إخلاصًا؟
النّقطةُ الختاميّةُ،
أم الهواءُ المُلغمُ الّذي يحضُنُها؟
لكَ الخيارُ… فأنا جاهزةٌ لأعظمِ ٍخيانةِ عصرٍ
الصّمتُ يكتبُ نسختَهُ السّرّية
على جمجمةِ الفوضى المضيئةِ بالمغالطات.
كأنَّنا كلَّما لمسنا الفكرةَ العاقمة
تحوّلتْ إلى مِسمارٍ في خشبِ المعنى،
وكلَّما فتّشنا عن النّقاء،
نَفخَ الغبارُ رئتَهُ المتّسخةَ علينا،
فتعفَّنَ المشهدُ قبلَ الضّمير.
الكتابةُ لم تعُدْ تستوعب،
بل تُقيمُ حفرياتٍ في مقابرِ المعاني،
تخيطُ الحقيقةَ بخيوطٍ من وهجِ الكذب،
وترمّمُ الحلمَ برقعةٍ من حكمةِ الأضرحة.
ماذا يجري؟
إذا لم تكنْ رصاصةً أو سيفًا،
يصفعُنا اللّسان! طواعياً
رِفقًا بنا… بعدما كُنّا أولى الألباب” صِرنا أعداءً.
يا أقلامَ الطّعنِ،
يا أقنعةَ الخداعِ المنسوجةَ من جلدِ الثّقة،
يا حبرًا ينسكبُ سُكّرًا بلا رسالة،
هل كتبتم مرّةً بماءِ الوعيِ المالح؟
هل أدّيتم فرضَ العشقِ
في معجمٍ تآكلتْ حروفُه؟
هل سمعتم تنهيدةَ المجازِ
وهو يُجرَّدُ على منضدةِ العمى الأكاديميّ؟
هناك،
في آخرِ السّطرِ المائلِ نحوَ العدم،
تتدلّى علامةُ تعجّبٍ
كحبلِ وِصالٍ انقطعَ عن جسدِ السّؤال،
وتحتها،
ينامُ الضّميرُ الجمعيُّ منهكًا
من تدويرِ عجلةِ الفقدِ
على نغمةِ الخسارةِ الجليلة.
نحن هنا كما وعدناكم، ولسنا مَن باعوا الحدودَ بلحظةِ حشو.
وها أنا هنا،
أُراقبُ انهيارَ بعضِ النّصوص،
كأنّي أُشاهدُ حُلمًا يتقشّرُ
عن وجهِ المعنى الّذي سئمَ الأقنعة.
كفى تلاوةً لمزاميرِ الزّيف!
متى تُخرجونَ أشلاءَ الكراهيةِ
من محابِركم المسمومة؟
فطوبى لمن قالَ وكتبَ وهو يعلمُ
أنَّ سياسةَ الحرفِ
مرثيّةٌ للعبث،
لكنّها تُنقذُ صدرَ الكاتمِ
من اختناقِ اليابسة.
وسلامي لمن قرأَ صدقَ الورقِ،
كأنَّهُ مرآةٌ تعكسُ صهيلَ الهشاشة،
وآمنَ أنَّ في الحرفِ
توقيعًا مؤجَّلًا على الخلود،
حينَ يتبخّرُ الوقتُ
في فضاءِ الأبديّة.
سابرينا عشوش






































