الميّتونَ تذكّروا حطَبَ الحروبِ
المَيّتونَ تذكَّروا أحلامَهم..
أفَلوا عُراةً في سَماءِ الطّينِ، لا يمْضونَ نحْوَ النّور، كانوا ميّتينَ بشارعِ الأحياءِ، كلُّ حظوظِهم كانتْ مؤجّلةً، وهُمْ أقصَى الكآبةِ يمْضَغونَ الملحَ؛ دربٌ لا يؤدّي للسّلالمِ، آخرُ اختلطَتْ به الأصواتُ، ذابَ الشّمْعُ قبلَ بلوغِهم سورَ المَدينةِ، يحْلُمونَ بأنْ تكونَ نساؤهمْ كالخَيْزرانِ، قويّةً ونحيفةً، وتشيلُ من «رمْثِ» البراري قدْرَ ما حمَلتْهُ من جمْرِ السِّنين، تصيحُ بينَ شِياهِها كي تسْتَحثَّ الخطْوَ، ثمّ تلمُّ فيضَ ظلالِها، كي لا يراها عاشقٌ نهَرتْهُ قربَ البئرِ.. فارتبكَتْ وتحتَ ثيابِها طيرٌ يفرُّ.
الميّتونَ تذكّروا مَن غادرَ الأيامَ، كي يحْمِي القبيلةَ من رصاصِ الرّيحِ، خلَّى في الرّواقِ وصِيّةً ممْهورةً بضفيرةٍ: «لا تتْركوا ظلّي الوحيدَ؛ ومهْرتي منذورةٌ بعْدي لهذي الأرضِ؛ واحْموا شيخَكُم من أفْعوانِ اللصِّ» ثم تذكّروا أنَّ اللّصوصَ بكلِّ جُحْرٍ يمْرحونَ، عيونُهم جَيْبٌ يخِرُّ.
المَيّتونَ تذكَّروا ظلّاً بكَى، تاهَتْ بهِ إبلُ الحنينِ إلى المدينةِ باحثاً عن كوّةٍ، ينْسابُ تحتَ ضلوعهِ نايٌ وراعٍ سارحٌ بنُجومهِ، وبقلبهِ مرعىً يدُرُّ..
المَيّتون تذكَّروا معشوقةً، زُفّتْ لجذرٍ لا يلوكُ سوَى ثريدِ سِنيّهِ العطْشَى لتمْرِ الفقدِ، لا معْنَى لطعمِ الهَيلِ إن نامتْ هنالك رنّةُ المحْماس، نامَ على صدَى الأيامِ هِرُّ.
المَيّتونَ تذكَّروا حطَبَ الحُروبِ، تذكَّروا القتلَى بلا معْنَى سوَى نارٍ يؤجّجُها هوَى رأسَينِ فارغتَيْنِ من وهَجِ الحياةِ، تذكَّروا الجوْعَى بلا شاةٍ، ولا صاجٍ، ولا جمَلٍ يَشيلُ خرابَهم، وتذكَّروا المَنْفيَّ يؤلمُهُ الحُداءُ، تذكَّروا المسْجونَ في وُجُر الضِّباعِ، تذكَّروا فزَعَ الدّخيلِ على القبيلةِ، لا ينامُ اللّيلَ، يخشَى أن تباغِتَهُ الذّئابُ، وقلبُهُ خيلٌ تكِرُّ.
المَيّتون تذكَّروا الأحلامَ، ثم تجَمْهروا في برْزخِ الآلامِ، هذا يخْلعُ الأوتادَ من دمِهِ، وذاكَ رمَى حكاياتِ البلادِ وأهلِها، كلٌّ يجُرُّ جراحَهُ، وأنا بآلامي أجُرُّ!
من ديوان (ورد أسمر يملأ رئتي)
(شعر: دخيل الخليفة)






































