رسالة في جيبِ جُنديِّ مَيِّت
إلى أمّي :
إن كُنتِ تقرئينَ هذه الرّسالة
فهذا يعني أنَّ الحربَ انتهت
وتصافحَ الأوغادُ..
وتقاسَموا الغنائمَ
وعادَ الجنودُ مِمَّن لم يُحالفهُم الموتُ
إلى بيوتهِم..
هدأَ روعُ الشّوارعِ ..
وزاركُم الرّبيعُ مرّتين في خَجل
وتناسلت القططُ أربع مراتٍ خلف نافذةِ غرفتي
ولحُسنِ الحظّ..
أنَّني لم أكُن موجوداً لأطرُدَها
إن كُنتِ تقرئينَ الآن يا أمّي
فقد مضى على موتي..
موسمانِ من البرد
وخلعَت أختي ثوبَها الأسود
وبدأت بدراسةِ التّاريخ ..
التّخصُّصُ الّذي تُحبُّه
والّذي ستكتشفُ بعد عامينِ أو أقل
أنّهُ محضُ كذبةٍ
لا تصلحُ للتّوثيقِ .. ولا الاستذكار
إن كُنتُ قد مِتُّ قبلَ عامين من هذه الرّسالة
فهذا يعني أنَّ حبيبتي تزوجت
كما اتّفقنا..
واختارت لولدها اسماً شبيهاً باسمي
كنوعٍ من التّمويه..
وبدأت خيوطُ الكفنِ الأبيض تتباعدُ فيما بينها ..
وأنّني الآنَ أشعرُ بالبرد..
وأنّني في أمسِّ الحاجةِ إليكِ
أنا الآن…تحتَ الأرضِ …
أجترحُ مع رفاقي من القبورِ المجاورة
حديثَ الآتينَ من خلفِ النّار
الذّاهبينَ نحو الخديعةِ
بملءِ تفاهتنا..
نجتمعُ يا أمّي كُلَّ ليلةٍ لنَعُدَّ خساراتِنا
الوطنُ الّذي نسِيَنا في مُقدمتها
ثُمَّ أصدقاءُ الطّفولة..
ثُمَّ أوّلَ مباراةٍ لكُرة القدم
غيرَ مُقيدةٍ بوقت
نُسجلُّ فيها أهدافاً لا تُعدُّ ولا تُحصى
لا أحدَ فيها خاسر..
لا أحدَ فيها رابِح..
نتذكّرُ أسماءَ حبيباتِنا
لونُ الشّعر ، الجديلة، الغمازّة ، شكلُ الشِّفاه
صوتُ الضّحكة ، الرّسائلُ السّرّية، الأحلام
الأطفالُ الّذين لم ننجبهم
أو أنجبناهُم من نساءٍ أُخريات
وأطلقنا على بناتنا أسماء حبيباتِنا بالتّمويه أيضاً..
(كما فعلَت حبيبتي)
إن كنتِ تقرئينَ هذه الرّسالة يا أمّي
فهذا يعني أنَّ كأسَ العالم أصبحَ من نصيبِ الأرجنتين..
وأنَّ أبي كان يبكي وهو يشاهدُ حفلَ التّتويج
لا لأنّه يُحِبُّ ميسي
بل لأنّني وعدتهُ بأن نشاهدهُ سوياً ولم أعُد ليلتها..
فقد مِتُّ..
أو بعبارةٍ أكثر حناناً…
أضعتُ طريقَ العودةِ للمنزل
وأنَّ الجميعَ بمن فيهم حبيبتي
اختاروا أن ينسوني..
أنا الّذي دفعتُ آخرَ تلويحةٍ منكِ لصافراتِ الإنذار
وتلقَّيتُ مُقابلَها..
رصاصةً في رأسي…
ندى سلطان






































