“قال : اكتبي مثل هذا النّصّ إن استطعتِ.
فكتبتُ نصّاً لو قرأه
لنسي ما كتب.
المرأة الّتي لم يوقظها أحد
١-
في المرّة الأولى الّتي لم يوقظني فيها أحد
كنتُ نائمةً على طرف قصيدة
نصفها حقيقي و الآخر
يشبه رجلاً كان يحدّق فيّ
كأنًي فكرة لم تكتمل.
استيقظتُ على صوت النّافذة،
لا أحد خلف الزّجاج،
فقط غيمٌ ثقيل
يقرأ لي نشرة الأحوال العاطفيّة.
سألتُ المرآة:
“هل ما زال وجهي صالحاً للحنين؟
أم أنّي أصبحتُ امرأةً
ينساها الضّوء حين يمرُّ؟”
ضحكت المرآة،
وسقط من وجهي زمنٌ كامل
كنتُ أضعه كأحمر شفاهٍ
وأبتسم.
٢-
في المرّة الثّانية،
لم أكن نائمة،
كنتُ غابةً تُغني،
وصوتي يعلو كأنّ أورنينا استعارت حنجرتي
لتمدّ النّهار بخرافةٍ جديدة.
لم يوقظني أحد،
لكنّ النّجوم اقتربت من سريري
وقالت لي:
“لو كنتِ أقلّ دهشةً
لأحبّكِ النّاس،
لكنّهم لا يتحمّلون امرأةً
تفوح منها رائحة المجرّات.”
نهضتُ ومشيتُ حافيةً فوق سجّادة الضّوء،
كنت أبحث عن رجلي الّذي وعدني الغيمُ به،
ذاك الّذي يعرف كيف يُوقظ امرأةً
بأن يُصدّق قصّتها
قبل أن تُروى.
٣-
في اليوم الثّالث
أعدتُ ترتيب ملامحي
كما تفعل الآلهة حين تشعر بالملل من خلودها،
نزعتُ جلدي القديم
وارتديتُ قصيدةً حريرية
تُشبهني أكثر.
لم يطرق أحد بابي،
لكنّ الرّيح كانت تهمس لي:
“من اعتادت أن تستيقظ على صوت ذاتها
لن يُجيد أحد إيقاظها بعد الآن.”
فأعددتُ فنجان قهوةٍ من عمرٍ فائت،
وجلستُ على شرفةٍ لا تطلّ إلّا على قلبي،
أراقب امرأةً تمشي داخلي
كأنّها لا تعرفني.
٤-
في اليوم الرّابع
كتبتُ اسمي على الماء
كي أنسى كيف تُمحى النّساء في ذاكرة العشّاق.
رأيتُ رجلاً
يصطاد ظلّه من بركةٍ بعيني،
سألته:
“هل تُجيد إنقاذ امرأةٍ غَرقت من شدّة ارتفاعها؟”
فقال:
“أُجيد الغياب.”
فأهديته جناحي،
وقلتُ له:
“طر، لكن لا تعد إليّ
إلا إذا عرفت كيف تُوقظ امرأة
ولدت من الحلم
ولا تنام.”
٥-
في اليوم الخامس
دخلتُ كهفاً في روحي
لم تدخله كائنات الحبّ بعد.
جلستُ بين ركام القصائد
الّتي كتبتُها قبل أن أُولد،
وسمعتُ طفلةً تشبهني
تقول لي:
“لا تنتظري أحداً
أنتِ النّبوءة الّتي خذلتها الكتب
لأنّها لم تفهم لغتها.”
٦ –
في اليوم السّادس
لم أكتب
لم أتكلّم
لم أرتّب الفوضى فوق رأسي.
فقط تمدّدتُ على بياض الوقت
كما تتمدّد الحقيقة حين لا تجد مَن يُصدّقها،
واسترجعتُ كلّ الأيادي
الّتي مرّت بي
دون أن تلامسني حقّاً
فهمتُ – أخيراً –
أنّني المرأةُ الّتي لم يوقظها أحد
لأنّهم كانوا نياماً أكثر منها،
ولأنّها حين استيقظت
لم تجد بشراً
بل أناشيد مقطّعة
وأحلاماً تُجيد التّمثيل
لكنّها لا تحفظ النّصّ.
العائشة






































