بقلم … عبد المقصود غانم
الحبّ عند الرافعى …
أصدر الّرافعى رحمه الله كتبه ” السّحاب الأحمر ورسائل الأحزان وأوراق الورد ” على فترات متباعدة ، وقال إنّه إنّما يريد أن يضع للّغة العربية فنًّا جديدًا هو ” فلسفة الحبّ والجمال ” وحاول أن يُحيط صوره الوجدانيّة بشئ من الجلال ، ينأى بها أن تصمّ شخصيّته بشئ من الهوان
وأحاط صوره بجوّ من الغموض والتّقيد قيل أنّه تكلّف . ولكنّها فى الواقع لم تكن إلّا محاولة لإعزاز هذه الصّورة والبعد بها عن أن تكون حجّة فى يد خصومه ، على أنّه ـ وهو مدرة الإسلام والمدافع عن الدِّين ـ ينزل إلى ميادين الهوى والحبّ والتّشبب بالنّساء .
وفى الحقّ إن حبّ الرّافعى كان نقيّاً سامياً مرتفعاً فوق معانى الشّهوات ودوافع الغريزة . كان على أيّ حال نار تتلظّى فى كبده وتحرق فؤاده ، حبّ فيه الكبرياء والاستعلاء ؛ وفيه الحنان والشّوق وفيه الألم والحرمان والنّدم ، فلا عجب أن يأتى على هذه الصّورة المعقّدة الّتى جاءت فى كتبه الثّلاث ..
وقد دفعه وقاره وكبريائه أن يكتب على أسلوب ” التّجريد ” فيزعم أن هذا الكتاب رسائل منه إلى صديقٍ مجهول ، أحبّ وأحسّ اللّوعة والوحشة . فهو يعزّيه ويحمله على السّلوى .
ولذلك
يقول فى مقدّمة كتابه ( رسائل الأحزان ) ..
كان لى صديقٌ خلطته بنفسى زمناً طويلاً ، ثمّ وقع فيما شاء الله من أُمورِ دنياه حتّى نسينى وطار على وجهه حتّى غاب عن بصرى ، والتَقََتْ عليه مذاهبه فلم يقع إلّا من ناحيته خبر ..
.. وإذا به بعد عام يُرسل له خطاباً يُصوِّر له فيه سجنه الّذى كان فيه ..
” إن هو إلّا سجن عينين ذابلتين . كان قلبى المسكين يتمرّغ فى أشعّة ألحاظها ”
ثم يصف حبّه : ” ما أحسبنى قطّ رأيت امرأة جميلة كما هى فى نفسها وتركتها كما هى فى نفسها . بل هناك نفسي . وآه من نفسي , وما أسرع ما تمتزج فى هذه النّفس بعض الإنسانيّة المُحِبّة ببعض الإنسانيّة المَحْبُوبة . وإذا أنا بشئ إلهى قد خرج لى من الإنسانيّتين ، هذا الشّعر ، هذا البلاء هذا هو الحبّ ”
ثم يصف أستاذنا الرّافعى ، حبيبته ، فى هذه الرّسائل كأنّه مسحور بها ، بكلامٍ عُلوِى مشرق كتسبيح الملائكة . يمازجه أحياناً شئ يَحارُ فيه الفهم . لأنّ أحدنا إنّما يرسل فكره وراء قلمه . أمّا أستاذنا الرّافعي فيرسل نفسه وراء فكره . ويستمدّ قلمه منهما .
نعم : لقد كان هذا الحبّ عند الرّافعي ، هو الكائن الحيّ فى أعماقه . ومن ثمّ كانت رسائله ( أوراق الورد .. السّحاب الأحمر .. ورسائل الأحزان )
هى تنفيس عن هذه العاطفة المكبوتة ..
لقد عاش أستاذنا الرافعي لحبٍّ واحدٍ نذر له حياته كلهّا . وكانت حبيبته لا أحد غيرها . هى ” مي ” الكاتبة صاحبة صالون الثّلاثاء ..
تُرى كيف كانت علاقة الرّافعي بصالون الثّلاثاء ؟
هذا ما سيكون موضوع المقتطف الخامس النَّدِىْ ،، من مقتطفات أدب الرافِعِىْ
بقلم … عبد المقصود غانم






































