غزّةُ: مختبرُ الجيوبوليتيكِ.. امتحانُ الإراداتِ وصراعُ النّفوذِ ..
تقرير : سلمى صوفاناتي
– الثلاثاءُ 8 أكتوبرَ 2025
بينما تتداعى جدرانُ المنازلِ تحت وطأةِ القصفِ، وتعلو صرخاتُ المدنيينَ المحاصرينَ بين الرّكامِ، تتحوّلُ غزّةُ من مجرّدِ مسرحٍ لمأساةٍ إنسانيّةٍ إلى لوحةِ شطرنجٍ جيوسياسيّةٍ معقدّةٍ. هنا، على هذه الأرضِ المحاصرةِ، تُختبرُ إراداتُ القوى الإقليميّةِ والدّوليّةِ، وتُكشفُ هشاشةُ التّحالفاتِ، وتُعادُ صياغةُ معادلاتِ القوّةِ في واحدةٍ من أخطرِ التّحوّلاتِ الاستراتيجيًةِ في الشّرقِ الأوسطِ.
ما تشهدهُ غزّةُ اليومَ ليس موجةَ عنفٍ عابرةٍ، بل اختبارٌ حاسمٌ لقدرةِ الفاعلينَ الإقليميينَ على إدارةِ صراعٍ متعدّدِ الأبعادِ، تتقاطعُ فيه الحساباتُ الأمنيّةُ مع المعادلاتِ السّياسيّةِ والمصالحِ الجيواستراتيجيةِّ. كلّ طرفٍ يسعى ليس فقط لمكاسبَ تكتيكيّةٍ، بل لإعادةِ رسمِ “قواعدِ الاشتباكِ”، وإرساءِ معاييرَ جديدةٍ للنّفوذِ تتوافقُ مع تحّولاتِ النّظامِ الإقليميِ.
وفي قلبِ هذه العاصفةِ، تبرزُ مصرُ كلاعبٍ محوريٍ لا غنى عنهُ – حاملةً أعباءً استراتيجيّةً ثقيلةً: فهي الحاجزُ الّذي يردُّ انزلاقَ المنطقةِ إلى حربٍ شاملةٍ، والوسيطُ الّذي يفتحُ ممّراتِ الحياةِ أمام المدنيينَ، والضّامنُ الّذي يملكُ مفاتيحَ ضبطِ تصاعدِ التّوتّرِ. قدرةُ القاهرةَ على ترويضِ هذه العاصفةِ وتحويلِ المأساةِ إلى فرصةٍ لصناعةِ استقرارٍ دائمٍ صارت المعيارَ الحقيقيَّ لفاعليّةِ الدّبلوماسيّةِ العربيّةِ والدّوليّةِ في هذه المرحلةِ الحرجةِ.
والسّؤالُ الحاسمُ: هل تستطيعُ الدّبلوماسيّةُ الدّوليّةُ تحويلَ دمويًةِ هذا الصراعِ إلى فرصةٍ تاريخيّةٍ لولادةِ نظامٍ إقليميٍّ جديدٍ، أكثرَ استقراراً وعدالةً؟ أم ستظلُّ غزّةَ الجرحَ النّازفَ الّذي ينذرُ بانهياراتٍ أوسعَ؟
الإجابةُ على هذا السّؤالِ لا تكمنُ فقط في غرفِ العمليّاتِ العسكريّةِ، بل في الممرّاتِ الخلفيّةِ للدّبلوماسيّةِ، وقدرةِ الأطرافِ على قراءةِ تحذيراتِ التّاريخِ قبلَ فواتِ الأوانِ، وصنعِ توازنٍ يوقفُ نزيفَ المنطقةِ ويعيدُ صياغةَ قواعدِ اللّعبةِ الاستراتيجيّةِ.






































