ليلى سمور ..الموهبة الأصيلة هي المعيار الثابت في كل عصرٍ ..
تحاورها : سلمى صوفاناتي
بينَ أروقةِ الذاكرةِ الفنيةِ، تقفُ قاماتٌ شامخاتٌ، لا تُزيغُها غَياباتٌ الزمنِ، ولا يخفُ ضياءُها أمامَ صروفِ الدهورِ. كأنما نقشَ القدرُ أسماؤها بماءٍ من نورٍ في سِفرٍ الخلودِ، لترتدي أرديةَ المجدِ حتى وهي في عالمٍ الغيابِ، حاملةً شعلةً لا تنطفئُ.
من قلبِ دمشق ، حيث الطفولةُ تنسجُ أحلامها من ضبابِ الجبالِ وندى الفجرِ، وُلدتْ روحٌ متوهجةٌ، كزهرةٍ بريةٍ تشقُّ صخورَ الواقعِ بجذورها، فتغدو قوةً تحطمُ القيودَ، وتخطو نحو سماءِ دمشقَ، حاملةً بذورَ النجوميةِ، وخطواتُها تملؤها ثقةُ الأقدارِ.
على خشباتِ المسرحِ، أمامَ أعينِ الآلافِ، كانت تصنعُ من كلماتِ الكتّابِ عوالمَ حيّةً تنبضُ.. تتنفسُ شخصياتُها من روحِها، فتستفيقُ الحياةُ في كلِّ دورٍ وكأنه ولادةٌ جديدةٌ، وكلُّ عملٍ فنيٍّ كان شعلةً مضيئةً في سجلِّ الدراما السوريةِ، التي صارت أيقونةً تنبضُ بتاريخِ حضارةٍ وأمةٍ.
قد تباعدت المسافاتُ بينها وبين ربوعِ الصبا، واختارت في مغتربِها متّكأً، لكن جذوةَ الإبداعِ في قلبِها لم تنطفئْ.. ظلّت تشعُّ من بعيدٍ، كنجمٍ في سماءِ الغربةِ، يراه أهلُ الوطنِ فيعرفون أن روحَهم ما زالت حيّةً هناكَ، نابضةً بالحياةِ والوفاءِ للفنِّ.
واليومَ، تعودُ كغيمةٍ مثقلةٍ بقطراتِ الخيرِ، تروي عطشَ القلوبِ بأعمالِها، وتثبتُ أن الموهبةَ الأصيلةَ كالشمسِ: لا يحجبها سحابٌ، ولا يحدّ من تألقِها افتراقُ الأوطانِ.
أتعرفونها؟
إنها الكوكبةُ التي أضاءت دروبَ الفنِّ الأصيلِ، المبدعةُ التي حولت أدوارَها إلى أساطيرَ تُروى.. الحرفُ الذي صارَ قصيدةً، واللوحةُ التي تحوّلت إلى سيمفونيةٍ.. رفيعةُ الذوقِ، ساميةُ الطرازِ، ليلى سمور، التي تشرّف “الرواد نيوز” International بحضورِها الكريمِ، كضيفةٍ نعتزُّ بها ونكرمُها عن جدارةٍ واستحقاقٍ.
س1: في بداياتِكِ، هل كانت الكاميرا أكثر صدقًا من اليومِ؟ أم أنّ الكواليسَ تغيَّرت والعدساتُ؟
ج: “إذا ما أردنا التقييم بمنظورٍ يتجاوز الحنينَ، فإنّ الكاميرا في بداياتي كانت أكثر من مجرد أداةٍ؛ كانت مرآةً للصِّدق الفنيِّ، حيث كان العملُ يرتكز على مسؤوليّةٍ مهنيّةٍ أشد عمقًا وجديّةٍ تجاه المشاهدِ والمحتوى. اليومَ، تشهدُ الساحةُ تحوّلاتٍ هائلةٍ، من تطوّرٍ تقنيٍّ يفتح آفاقًا جديدةً، إلى تحدياتٍ تتعلقُ بجودةِ الطرحِ وسرعةِ الإنتاجِ. ومع ذلك، يظل جوهرُ الفارقِ ليس في العدسةِ ذاتِها، بل في الرؤيةِ الإبداعيةِ والنزاهةِ الفنيةِ التي يحملها الفنانُ، فالموهبةُ الأصيلةُ هي المعيارُ الثابتُ الوحيدُ في كلِّ عصرٍ.”
س2: ماذا تغيّر في بنيةِ الدراما السوريةِ بين البناء 22 وليالي روكسي؟ هل نحن أمام تطوّرٍ فنيٍّ أم انحدارٍ في المعاييرِ؟
ج: “المقارنةُ بين ‘البناء 22′ و’ليالي روكسي’ قياسٌ لمدى اتساعِ الطيفِ الإبداعيِّ في الدراما السوريةِ.
في ‘ليالي روكسي’، كانت تجربتي مع المخرجِ القديرِ عمر عبد العزيز بمثابة انتقالٍ نوعيٍّ وتطوّرٍ فنيٍّ متكاملٍ. كلُّ تفصيلٍ في المشهدِ لم يكن محض صدفةٍ، بل معادلةٌ محسوبةٌ بعمقٍ مسرحيٍّ وشحنةٍ بصريةٍ عاليةٍ.
أما ‘البناء 22’، فيُمثّلُ نجاحًا مدويًّا في إطارِ كوميديا الموقفِ الغنيةِ بملامحٍ سوداءَ ذكيةٍ، وأصبح نقطةَ انطلاقٍ محوريةٍ لي، حيث اكتسبت شهرتي الواسعةَ وتدفقت العروضُ، ما يؤكد قيمتهُ الفنيةَ والجماهيريةَ.”
س3: ما أكثر شخصيةٍ أدّيتها وكانت امتدادًا لروحِكِ لا لدورٍ مكتوبٍ؟ ومتى شعرت أنك أداةُ تنفيذٍ؟
ج: “لكلِّ شخصيةٍ قدمتها انعكاسٌ من ذاتي، لكن أكثرُ الأدوارِ التصقت بروحي هي دوري في ‘وردة في خريف العمر’ و’مخالب الياسمين’. شخصيةُ ‘بديعة’ تركت أثرًا عميقًا بي، حتى شعرت بعد التصوير أنني أفترق عن جزءٍ من نفسي.
ولم أشعر يومًا أنني مجرّدُ أداةِ تنفيذٍ. دائمًا أحرص على الحوارِ وتبادلِ الأفكارِ، لأظل حاضرةً بروحي وفني.”
س4: كيف تحافظين على هويتكِ الفنية وسط موجاتِ التقليد والشللية؟ وهل تعرضت للتهميش المتعمد؟
ج: “لا أركضُ وراء الترنداتِ، فصوتي الهادئُ على وسائل التواصلِ هو مرآةٌ لاختياري. طبيعةُ روحي تمنحني ارتياحًا بما أنا عليهِ، وتجعل من ثباتي صونًا لهويتي الفنيةِ.
أما التهميش المتعمدُ، فقد لمسته حين أساء البعضُ فهم قلّة اختلاطي بالوسطِ الفنيِّ. ومع ذلك، أرى في كل تجربةٍ درسًا، وفي كل صمتٍ فرصةً، وفي كل منعطفٍ دعوةً للصمودِ.”
س5: الانتقالُ إلى فرنسا… هل كان قرارًا عائليًا أم نفسيًا؟ وهل يمكن للفنان أن يغترب حقًا عن جذوره؟
ج: “من العسير جدًّا أن ينفصل الإنسانُ عن جذوره، فكل خطوةٍ بعيدةٍ عن الوطنِ كأنها جرحٌ لا يندملُ. عشت الحربَ سبع سنواتٍ من ألمٍ لا يوصفُ، وكان لابني الذي واجه الموت ثلاث مراتٍ في الانفجاراتِ دورٌ أساسيٌّ في اتخاذ القرارِ بالسفرِ.
الغربةُ ليست مجرد مكانٍ، بل تجربةٌ تعلّمك ثمنَ الانتماءِ، وتجعل الوطن ليس جغرافيا فحسب، بل نبضٌ دائمٌ في القلبِ.”
س6: هل الوطن بالنسبة للفنان هو الجغرافيا أم الدور الذي يليق بروحه؟
ج: “الوطنُ للفنانِ ليس مجرد رقعةٍ جغرافيةٍ، بل الدورُ الذي ينسجم مع روحهِ. هو كرامةُ الإنسانِ المتجسدةِ، وملاذُه الآمنُ، والشعورُ العميقُ الذي يغمر القلبَ بالسلامِ ويكسو الحياةَ بالأمانِ.”
س7: هل تؤمنين أنّ الشاشة اليوم تستهلك الموهبة بدل أن تصقلها؟ وما الفارق الجوهري بين ممثل الأمس وممثل اليوم؟
ج: “لكل زمنٍ قوانينهُ. في أيام الأصالةِ، كان الظهور أمام الشاشة رحلةٌ محفوفةٌ بالتحدي، تبنى على عمق الموهبة وثقل الخبرة، لا على وهجٍ لحظيٍّ أو ضجيجٍ زائفٍ.
اليومَ، الشهرةُ متاحةٌ بضغط زرٍّ، وتنتشر المنصات الرقمية كالبثور على وجه العالم، فتتلاشى كثير من الأسماء بلا أثرٍ. الفارق الجوهري بين ممثل الأمس وممثل اليوم واضحٌ: الأمس صقل فنه بالحكمة والإتقان، واليوم غالبًا ما يختزل الفنَّ في لحظةٍ ضوئيةٍ زائلةٍ.” وطبعاً لكل قاعدة إستثناء حتى لاننكر المواهب الموجودة حالياً .
س 8 :
ماوصيتك الصريحة للجيل الصاعد من الممثلات ؟ هل تكفي الموهبة ، أم لابد من جدار أخلاقي ؟
ج:
الرصيد الأخلاقي لا ينفصل عن الموهبة الإبداعية؛ فهو الحصن المنيع الذي يحصن الروح ويصون المبادئ، ويظل الدرع الواقي لصفاء المنبع الإبداعي الذي تنبع روافده من ينابيع الأخلاق قبل أي اعتبار. أما للجيل الصاعد من رائدات الفن، فرسالتي إليهن جلية: اغذين مواهبكن بالمعرفة الثرية، والتأمل في أغوار الأدب، ومراقبة نبض الحياة وتشعباتها بدقة عالية. ففن التمثيل ليس مجرد أداء، بل هو ملكة المشاعر والإحساس المرهف، حيث تظل الذات الفنية تحت الأضواء، عُرضة لفقدان التوازن إن غاب التروي والتأمل.
لا تستعجلن بريق الشهرة، فالبذرة الأصيلة تنمو في تربتها الزمنية، والصبر وحكمة التدرج في بناء المسيرة هما عِماد المتانة والخلود. أولين العناية بالعمق الفكري والدرس المتقن، واجعلن تشييد الصرح الأخلاقي هو اللبنة الأساس التي تعلو عليها كل ركائز الإبداع.
س 9:
كلمةٌ أخيرةٌ لصحيفةِ الرواد نيوز الدوليةِ؟
ج:
مصرُ، أمُّ الدنياِ، جنةُ اللهِ على الأرضِ، تجربةٌ لا تُنسى. زرتُ أرضها، وعملتُ على خشبةِ مسرحها، واكتشفتُ عمقَ استقامتهاِ وذوقَ شعبها الراقيِ. شكري العميقُ لمصرَ، ولصحيفتكم الموقرةِ، لإدارتها وكوادرها الرائعينَ، ولأسئلتكم التي حملت تميزًا ورقيًّا استثنائيًا. أتمنى لكم دوامَ التوفيقِ، ونجاحًا مستمرًا في كلِّ خطوةٍ تخطونها نحو المستقبلِ.






































