بقلم … للاإيمان الشباني
لا تخنثوا أبناءكم …
الرّجولة موقف ونضال، لا تُقاس بالمظاهر ولا تُعرَّف بأشكال سطحيّة أو تقليديّة. هي جوهر يعيش في أعماق النّفس، تُصاغ من خلال المبادئ الّتي يحملها الإنسان، والمواقف الّتي يتّخذها، والقرارات الّتي يُصرّ على التّمسّك بها وقت الشّدائد. الرّجولة هي ذاك الثّبات أمام المحن، وهي الإخلاص حين يغلب الرّياء، وهي القوّة حين يُطلب العدل، لا التّسلّط.
من المؤلم أن نلاحظ كيف أصبحت التّربية اليوم في بعض البيوت تسير في اتّجاه يُضعف الشّخصيّة، ويُقلّل من معاني الرّجولة، بدعوى الحبً والحنان. يُربّى الطّفل على الاتّكاليّة، على الضّعف أمام المواقف، وعلى الخضوع للأهواء، حتّى يُصبح رجلاً بجسد طفل في عقل وسلوك. من يُخنث أبناءه لا يمنحهم الأمان، بل يسرق منهم قدرتهم على مواجهة الحياة، ويفتح أمامهم باب الانكسار كلّما ضاقت بهم السّبل.
الرّجولة تُغرس منذ الصّغر. حين يُربّى الطًفل على قول الحقيقة، على احترام النّاس، على حماية الضّعيف، وعلى تحمّل المسؤوليًة، يبدأ شيئاً فشيئاً في التّشكّل كإنسان متماسك قادر على أن يُعطي ويُدافع ويُضحّي. حين يرى من حوله يثبتون في مواقفهم، لا يتنازلون عن قيمهم، ويصبرون على الضّيق دون أن يفقدوا كرامتهم، يتعلّم أنّه لا معنى للحياة دون عزّة نفس.
الرّجولة لا تعني صلابة لا تلين، وإنّما قوّة متّزنة، قادرة على العطاء، قادرة على العدل، قادرة على الرّفق دون خنوع، وعلى الحزم دون ظلم. حين نُحسن تربية أبنائنا على هذه المعاني، نصنع جيلاً يُحسن القيادة، ويعرف كيف يحمي أرضه وأهله، ويعيش بكرامة في زمن تحطّمت فيه القيم وتبدًلت فيه المفاهيم.
على الآباء أن ينتبهوا، فاللين الزّائد لا يُخرج رجالاً، والضّعف في التّربية لا يصنع أبطالاً. المطلوب هو التّوازن، تربية قوامها التّوجيه، والعاطفة المسؤولة، والانضباط في السّلوك. علينا أن نُعلِّم أبناءنا كيف يقفون عند الخطأ، كيف يعتذرون بشرف، كيف يُكملون الطّريق رغم الألم، وكيف يتعاملون مع النّاس بنديًة واحترام.
المجتمعات لا تنهض إلّا برجال يعرفون معنى الموقف، يحمون القيم، ويدافعون عن الحقوق، ويتقدّمون الصّفوف حين يتراجع الجميع. هذه الرّجولة لا تُصنع في يوم وليلة، ولا تُكتسب بالسّنّ وحده، وقد تنمو مع التّجربة، وتتقوّى بالقدوة، وتُصقل بالتّربية الصّحيحة. ومن يُهمل ذلك، يفقد كثيراً دون أن يشعر.
فلا تُخنثوا أبناءكم، ولا تحرموهم من معاني الرّجولة الّتي ستكون سندهم في زمن لا يرحم الضّعفاء، وعلّموهم أنّ الإنسان الحقيقي لا يُقاس بما يملك، وإنّما بما يحمل في قلبه من صدق، وفي عقله من وعي، وفي ضميره من يقظة. بهذه التّربية فقط، تبقى الأوطان محفوظة، والكرامة مصانة
بقلم … للاإيمان الشباني






































