الدّيمقراطية: قراءة في المفهوم …
د. عدنان عويّد
الدّيمقراطيّة:
هي المشاركة الشّعبيّة في قيادة الدىولة والمجتمع, واحترام الرّأي والرّأي الآخر, وهي الإقرار بالمساواة بين الجنسين, وهي التّعدديّة وتداول السّلطة, وهي التّقسيم العادل للدّخل الاجتماعي, وهي في المحصلة إلغاء كلّ حالات التّمايز السّياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والثّقافيّة من أجل سيادة وتجذير المواطنة. والدّيمقراطية من جهّة أخرى ليست شكلاً تتجسّد في صناديق الاقتراع فحسب.. الدّيمقراطيّة جوهر.. وجوهرها تنمية الإنسان والعودة به إلى مرجعيّته الإنسانيّة الّتي استلبت منه تاريخاً بفعل ضياعه في منتجاته داخل علاقاته الاجتماعيّة الاستغلاليّة من جهة, وبفعل القوى الّتي مارست عليه الاستبداد والاستغلال والتّجهيل والضّياع من جهة ثانية.. فالدّيمقراطيّة إذن, هي مشروع إنساني هدفه الإنسان, ووسائل تطبيقه في المحصلة الإنسان نفسه, ونقصد بالإنسان هنا, هو من يبحث عبر تطبيق الدّيمقراطيّة عن إنسانيّته الضّائعة والمستلبة والمشيئة والمغتربة. هذا وللديمقراطيّة أساليب إدارتها ولها قيمها أيضاً.. فأساليب عملها هي المؤسسات التي تديرها إدارات محليّة ومجالس نيابيّة ودساتير, ومؤسسات إدارية, وتمثيل شعبي, وصناديق اقتراع …الخ. أما قيمها فهي السمات والخصائص الأخلاقيّة والقيميّة التي يتمتع بها مجتمع من المجتمعات أو أمّة من الأمم, وبالتّالي على المشروع الدّيمقراطي أن يراعي هذه الخصوصيّات و الظّروف الموضوعيّة والذّاتيّة عند كلّ مجتمع من المجتمعات, ولا نقوم بنقل تجارب ديمقراطيّة لأمّة ما إلى أمّة أخرى بشكل استسلامي, ولكن علينا أن نستفيد من تجارب تلك الشّعوب إذا كانت تتوافق وواقعنا المعيوش وقيمنا اختيار الصّيغة الّتي تتّفق وواقعنا. فالدّيمقراطيّة وفق هذا المعطى هي صيغ متعدّدة وعلينا اختيار الصّيغة الّتي تتّفق وواقع المعيش.
علاقة الدّيمقراطيّة بالحرّيّة:
الحرّيّة مشروع إنسانيّ أوسع بكثير من الدّيمقراطيّة .. الحرّيّة (وعي الضرورة). أي وعي حاجاتنا التي تؤكد إنسانيتنا, والعمل على تحقيقها دون أيّ محدّدات وتابوات كونها مشروعاً إنسانيّاً يهدف إلى تطوير الإنسان والرّفع من شأنه ومكانته, وهي مشروطة بالوعي والمسؤوليّة.. أيّ وعينا أو معرفتنا لمعنى الحرّيّة كشروع إنسانيّ, وعدم استغلالنا لها من أجل تحقيق مصالح أنانيّة ضيّقة…أمّا الدّيمقراطيّة فهي جزء من الممارسة العمليّة للحريّة على المستويات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة والثّقافيّة.
ملاحظة:
الدّيمقراطيّة والعلمانيّة وجهان لقضيّة واحدة هي يقظة وتقدّم الدّول والشّعوب. فإذا كانت العلمانيّة في جوهرها هي بناء الدّولة المدنيّة .. دولة المؤسّسات… دولة المواطنة.. دول القانون. فإنّ الدّيموقراطيّة هي التّطبيق العملي للعلمانيّة من حيث هي احترام الرّأي والرّأي الآخر… وتجسيد المشاركة في الحياة الاجتماعيّة والسّياسيّة… والدّيمقراطيّة بدون مواطنة ستفسح في المجال واسعاً لسيطرة قوى اجتماعيّة – مهما تكن مرجعيّتها دينيّة أو قبليّة أو سياسيّة – على قيادة الدّولة والمجتمع. والعلمانيّة مع الدّيمقراطيّة هي تجسيد لفكرة المواطنة أوّلاً. واعتبار الوطن للجميع, والشّعب مصدر السّلطات.
كاتب وباحث وناقد أدبي من سورية






































