بقلم الأستاذ : عبد الرؤوف غضباني
أيام الڨمل والبرغوث …
يصل عمارة البيّاع إلى ديارنا محمّلا بحلوى الفليّو والحلوى الحمصيّة وحلوى العرائس و(حي ينڨّز) والخروب والتّمر واللّوبان والسّواك والأسورة والڨراديش والغرابيل والأمشاط والفلّاية والملاقيط وأكوام الخيوط والإبر وأمواس أبي سعادة والمزامير والكرة المطّاطيّة والشّاي والسّكر وحلوى الشّاميّة وكان يقايض بالأصواف والقمح والشّعير والبيض إذا ما تعذّرت السّيولة على النّساء خاصّة وكان يعقد معهنّ علاقات تجاريّة قوامها الثّقة فلا يمنع محتاجة عن التّبضّع على أمل أن تدفع له خلاصه عند زيارته القادمة، وعد نساء كالرّجال وأشدّ
لم نكن نقوى على الاستحمام أيّام الشّتاء والرّبيع لأنّ بيوتنا كانت عراء أبوابها عتيقة مشقّقة لذلك كانت العتبات عالية والبيوت مقعّرة تحت المستوى العادي للأرض عسى أن تبرد صيفا وتدفأ شتاء …كانت أجسادنا زمن البرد مرتعا للقمل حيث تنتعش أجيال منه في ثنايا سرابيلنا البالية وقمصاننا المهترئة الّتي من فرط ما فتقت ورتّقت ما عاد يلملمها خيط أو إبرة فنضطر إلى خيوط الجدّادة من المنسج نقتلعه ونصنع منه عقدا نرمم بها تلك الأثواب الفاضحة الّتي تسترها القشابية وتتوارى خلفها كلّ عيوبنا ..كانت القشابية سترا ساترا وحجابا واقيا لولاه لهلكنا ..
كنت أنام مدفوعا بالبول وكنت أخشى إن أنا خرجت من فراشي أن تمتدّ إليّ أيادي الأغولة والعبابيث وكنت أخشى إن أنا فعلتها أن يعاقبني أبي لذلك كنت أقضي ليلتي أصارع انفلات البول منّي وكنت أتلهّى عن النّوم أسامر البرغوث وهو ينط في جسدي ويلسعني فأمرّر يدي عسى أن أصيد منه واحدا فأقتصّ منه وكنّا ونحن في المدرسة نعلم أيّنا أصابه البرغوث أكثر من خلال البراز الّذي يتركه على قمصاننا بلون دمائنا البريئة الطّاهرة المهدورة على قارعة التّاريخ المرسوم في سجلِّ الإنسانيّة كذبا وجزافا…
يأتي شهر ماي فنتأهّب لحملة تطهير تبدأ عند الضّحى من يوم الأحد بإنجاز حصص من فلي القمل والسّيبان من رؤوسنا تحت إشراف أخواتي ، ثم يأتي دورنا للاستحمام وتضطر أمهاتنا لاستعمال الحجارة قصد إزالة تلك الأوساخ الّتي تراكمت في ركبنا وأقدامنا حتّى كادت أن تصبح جزءا منا ..
كانت المرآة متاعا ثمينا لذلك لم نكن نتعرف على وجوهنا إلّا يوم التّطهير فنتداول مرآة واحدة بيننا لنكتشف ألوان أعيننا وأسناننا وأنوفنا وحواجبنا الصّغيرة وألوان شعورنا العربيّة الزّنجيّة البربريّة ..ثمّ يأتي الصَيف فنقضيه كاملا حفاة عراة إلّا عوراتنا ويأتي بعده شتاء جديد فنهيّئ أجسادنا الصّغيرة لتكون مراتع للقمل والبرغوث
بقلم الأستاذ : عبد الرؤوف غضباني






































