“هوى بحري”: سيمفونية الأمواج، وهمسات الرّوحْ ..
بقلم: سلمى صوفاناتِي
_القريةْ.. حيث يرقص الزّمنْ على إيقاع البحرْ..
في قَرِيَةٍ تَتَنَفَّسُ أمْوَاجًا، وتَرْوِي حِكَايَاتِهَا عبر صَمْتِ الشَّاطِئِ الأَزَلِيِّ، يَنْبَثِقُ مِسْلَسِلُ “هَوَى بَحْرِي” كَقَصِيدَةٍ مَكْتُوبَةٍ بِمِدَادِ الضَّوْءِ وَالظِّلِّ. بِتَأْلِيفِ قَمَرِ الزَّمَانِ عُلُوشِ وَإِخْرَاجِ بَاسِلِ الْخَطِيبِ، يُصْبِحُ العَمَلُ لَوْحَةً فَنِّيَّةً تَسْبَحُ بَيْنَ الدِّرَامَا وَالفَلْسَفَةِ، بَيْنَ نَبْضِ القَلْبِ وَصَخَبِ الْمُجْتَمَعِ.
النُّجُومُ أَيْمَنُ زِيدَان، نُورْمَانُ أَسْعَد، سَامِرُ الْمِصْرِيّ، كَارِيسُ بَشَّار، شُكْرَانُ مُرْتَجَى، وَبَاسِمُ يَاخُور يُحَوِّلُونَ كُلَّ نَظْرَةٍ إِلَى قَصِيدَةٍ، وَكُلَّ صَمْتٍ إِلَى عَالَمٍ مَكْتَظٍ بِالأَسْئِلَةِ.
_الكابتن عبداللهْ.. عاصفة الحرّيّةِ الّتي لا تهدأ
..
يَعُودُ الكابتنُ عبدالله البربور كَرِيحٍ عَاتِيَةٍ تَهُبُّ عَلَى شَاطِئِ القَرِيَةِ الْهَادِئِ، حَامِلًا فِي قَلْبِهِ مِلْحَ البَحْرِ، وَفِي عَيْنَيْهِ شُجُونَ الْمُغَامَرَةِ. لَيْسَ مُجَرَّدَ رَجُلٍ عَائِدٍ، بَل فِكْرَةٌ تَثُورُ ضِدَّ الْقُيُودِ، وَضَجِيجٌ يُقَلِّبُ سُكُونَ النُّفُوسِ. وُجُودُهُ زِلْزَالٌ صَغِيرٌ يَهُزُّ أَرْكَانَ اليَقِينِ، وَيَكْشِفُ أَنَّ أَعْمَاقَ البَشَرِ أَشْبَهُ بِأَمْوَاجِ البَحْرِ: هَادِئَةٌ عَلَى السَّطْحِ، عَاصِفَةٌ فِي الأَعْمَاقِ.
_الفتاة المحبوبةْ.. بين صخب القلبِ وهمس المجتمعِ ..
هِيَ المِرْآةُ الَّتِي تَتَكَّسِرُ عَلَيْهَا أَنْوَارُ التَّقَالِيدِ وَظِلَالُ التَّغْيِيرِ. تَرْفُضُ فِي البِدَايَةِ، ثُمَّ تَسْتَسْلِمُ لِنِدَاءِ القَلْبِ، وَكَأَنَّهَا تَكْتَشِفُ أَنَّ الحُبَّ لَيْسَ مُجَرَّدَ شُعُورٍ، بَل “ثَوْرَةٌ صَامِتَةٌ” قَادِرَةٌ عَلَى كَسْرِ أَقْفَالِ الرُّوحِ. رِحْلَتُهَا لَيْسَتْ بَحْثًا عَنْ عَاشِقٍ، بَل عَنْ ذَاتِهَا الْمَفْقُودَةِ بَيْنَ أَمْوَاجِ “الْمَفْرُوضِ” وَ”الْمَمْنُوعِ”.
_الشّخصيّات الثّانويّةْ.. أصداء المجتمعِ المختبئةِ في الظلِّ ..
مِنْ “الشَّابِّ الْمُنْتَحِرِ” الَّذِي يُفَضِّلُ الْمَوْتَ عَلَى الْعَيْشِ فِي قَفَصٍ، إِلَى المَارَّةِ الَّذِينَ يَتَفَرَّجُونَ عَلَى الحَيَاةِ كَأَنَّهَا مَسْرَحٌ، كُلُّ مِنْهُمْ يَحْمِلُ جُرْحًا مُخْتَلِفًا، لَكِنَّهُمْ يَشْتَرِكُونَ فِي سُؤَالٍ وَاحِدٍ: هَلْ يُولَدُ الإِنسَانُ حُرًّا أَمْ يَظَلُّ يَسْعَى نَحْوَ الحُرِّيَةِ؟ حَتَّى الأَمْوَاجِ وَالرِّيَاحِ تُصْبِحُ شَخْصِيَّاتٍ صَامِتَةٍ، تَهْمِسُ بِالأَسْرَارِ وَتَنْثُرُ الأَسْئِلَةَ فِي الهَوَاءِ.
_ الحبُّ.. اللّغة الّتي تفكّ أغلال العالمِ ..
هُنَا، لَا يَكُونُ الحُبُّ مُجَرَّدَ لِقَاءٍ عَابِرٍ بَيْنَ قَلْبَيْنِ، بَل “قُوَّةٌ سِحْرِيَّةٌ” تَذِيبُ الجَلِيدَ الَّذِي يَكْسُو النُّفُوسِ. الحُبُّ فِي “هَوَى بَحْرِي” هُوَ الجِسْرُ الَّذِي يَعْبُرُ مِنْهُ الْفَرْدُ مِنْ عَالَمِ الْعُزْلَةِ إِلَى فَضَاءِ التّحَرُّرِ، وَهُوَ الصَّرْخَةُ الَّتِي تُوقِظُ الْمُجْتَمَعَ مِنْ سَبَاتِهِ الطَّوِيلِ. المُسَلْسلُ يُذَكِّرُنَا أَنَّ “أَصْغَرَ شَرَارَةِ حُبٍّ يُمْكِنُهَا إِضَاءَةَ أَظْلَمِ العَوَالِمِ”.
_الرّحلةْ.. من الشّاطئ إلى أعماقِ الوجودِ ..
“هَوَى بَحْرِي” لَيْسَ مُجَرَّدَ حِكَايَةٍ، بَل “رِحْلَةٌ رُوحِيَّةٌ” تَغُوصُ بِكَ فِي بَحْرِ الأَسْئِلَةِ الكُبْرَى: عَنْ الحُرِّيَةِ، عَنْ الخَوْفِ، وَعَنْ الْمَجْهُولِ الَّذِي يَخْتَبِئُ خَلْفَ الأُفُقِ. بَيْنَ أَمْوَاجِ البَحْرِ وَصَمْتِ الْبُيُوتِ، يَظَلُّ العَمَلُ كَالْمِرْآةِ الَّتِي نَرَى فِيهَا أَنْفُسَنَا بِوُضُوحٍ مُؤْلِمٍ، وَجَمَالٍ أَخَّاذٍ.
الخاتمةْ.. هل نستطيع أن نكون أمواجًا؟
فِي النِّهَايَةِ، يَبْقَى السُّؤَالُ الأَكْبَرُ: “هَلْ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَكُونَ أَمْوَاجًا لَا تَقِفُ عِنْدَ الشَّاطِئِ، بَل تَمْضِي إِلَى حَيْثُ لَا حُدُودِ؟”
مسَلْسَلُ “هَوَى بَحْرِي” لَيْسَ مُجَرَّدَ قِصَّةٍ، بَل دَعْوَةٌ لِلتَّأَمُّلِ، وَاكْتِشَافِ الذَّاتِ، وَالاِنْغِمَاسِ فِي بَحْرِ الحَيَاةِ وَالْحُرِّيَةِ.






































