في آخر الصفحة
في آخرِ صفحةٍ من كتابِكِ،
انطفأ الحبرُ على اسمِكِ،
وتدلّى الضوءُ من نافذةِ العمر،
يودّعُ وجوهًا أحبّتْكِ،
ويدفنكِ في عيونِها.
شهرٌ واحدٌ،
وكانت المسافةُ بين قبلةٍ على جبينكِ،
وبين ترابٍ يحتضنُكِ.
الموتُ،
كمجرى نهرٍ يبتلعُ الزهر،
جرَّكِ إلى غربةٍ لا بريدَ لها،
ولا عودةَ من سفرِها.
لكنَّ قبركِ،
لم ينمْ في صمتِه،
بل ظلَّ يُهدي للريحِ عطرًا،
تحملهُ السنينُ إلى من يعرفُ اسمَكِ،
فتنحني له القلوبُ،
كما تنحني الأغصانُ للمطر.
وفي الليلِ،
حينَ تصغي النجومُ لوشوشاتِ الغياب،
أراكِ تمشينَ على ضفّةِ الحلم،
تتركينَ خلفكِ ظلًّا
لا يجرؤ الصباحُ على ملامسته.
يقولونَ:
الموتُ بابٌ لا يُفتحُ مرتين،
لكنّي أراهُ نافذةً،
تعبرينَ منها إلى الضوءِ الآخر،
وتلوّحينَ لنا
من وراءِ ستارٍ من سكون.
كلُّ صباح،
أضعُ وردةً على حجارةِ اسمكِ،
فتنهضُ الريحُ بها،
وتسافرُ عبر الحقول،
كأنها رسالةٌ كتبتِها لي
بيديكِ البعيدتين.
وفي القلب،
حيثُ يسكنُ الدفءُ الأخير،
يتدلّى اسمُكِ
كجرسٍ صغير،
يرنُّ كلّما هبّتْ ذكرى،
أو مرّتْ يدُ الغياب
على أوتارِ روحي.
وحينَ يبللُ المطرُ شواهدَ القبور،
أشعرُ أنّ قطراتهُ أصابعُكِ،
تربّتُ على قلبي،
وتهمسُ: “أنا هنا، لا تبكِ.”
تمرُّ الأعوامُ كقوافلَ صامتة،
تحملُ في صناديقِها
ذكرياتٍ لا تصدأ،
وأصواتَ ضحكِكِ
الذي ما زال يتردّدُ في أروقةِ البيت.
أحيانًا،
أرى وجهَكِ في المرآة،
لا كصورةٍ باهتة،
بل كوميضِ حياةٍ
يرفضُ أن ينطفئ،
كأنّ الموتَ
نسي أن يأخذَكِ كاملةً.
وعند الغروب،
حين تذوبُ الشمسُ في البحر،
أتخيلُكِ تمشينَ فوق الماء،
تتركيْنَ آثارَ قدميكِ
نجومًا صغيرة،
تضيءُ الطريقَ
لمن يلحقُ بكِ إلى الأبد.
بقلم مؤيد نجم حنون، طاهر
العراق






































