مأساة الانقلاب الأخلاقي: حين نترحم على أخلاقيات تاجر المخدرات
بقلم … عمرو عاشور
لا أدّعي العصمة من الخطأ، ولا أتبرّأ من زلاتٍ سقطتُ فيها مثل الكثيرين، لكنّ هذا لا يمنع أن يمتلكني حزنٌ ثقيل على ما آلت إليه أحوالنا. حزنٌ يضغط على الصدر كلما رأيت الانقلاب القيمي الذي حدث في مجتمعنا المصري.
هل يُعقل أن نصل إلى زمنٍ نترحم فيه على أخلاقيات تاجر المخدرات القديم؟ إنه الانحدار الذي ما بعده انحدار، أن يصبح مجرم الأمس رمزًا لشرفٍ ضائع. لقد كان تاجر المخدرات، على فساده، يملك بقايا من “كود شرف” بدائي، يمنعه من بيع سمومه للصبية، أو توريط الضعفاء. كان يعرف أن هناك خطًا أحمر أكبر من جريمته. أما اليوم، فقد أصبحنا أمام جيل يفاخر بالدهاء في تدمير حياة غيره، ويتباهى بالخيانة كأنها بطولة، وبالانحطاط كأنه وسام.
هذا الانحدار لم يأتِ من فراغ، بل كان نتيجة تراكمات بدأت منذ سنوات مع كلمات مهرجانات تسربت إلى عقول الشباب كفيروس، تُضعف مناعتهم الأخلاقية. كلمات تُمجّد العنف، وتُروّج للانحلال، وتُعلّم الجيل أن التمرد على كل قيمة هو ذروة الرجولة. لقد استبدلنا الأغاني التي كانت تُغذّي الروح بالحب النقي، بصيحات إلكترونية تُعلّم الشباب أن المخدرات “مزاج”، وأن الخيانة “شطارة”، وأن المرأة مجرد سلعة.
ولم تسلم حتى لهجتنا العامية، التي كانت تحمل دفئًا خاصًا وروحًا مرحة. لقد أصابها التشوه، وحلت محلها ألفاظ قاسية، ومصطلحات سوداوية لا روح فيها، وكأننا نسابق الزمن لابتكار لغة جديدة لتخريب أذواقنا ووجداننا.
أين ذهبت تلك اللمسات الإنسانية البسيطة التي كانت تُجمّل حياتنا؟ مشهد رجل ينهض لامرأة مسنّة في حافلة مزدحمة، أو فتاة تحمرّ وجنتاها خجلًا من كلمة جارحة. اليوم، تلاشى هذا المشهد تمامًا، وصار العيب سلعة رائجة، يتسابق عليها الجميع. لقد مُسحت الحدود بين ما هو صواب وما هو خطأ، وأصبح الفارق بينهما ضبابيًا.
إننا اليوم نشهد انقلابًا قيميًا كاملًا: الموظف النزيه يُوصف بأنه “مغفل”، والمحتال الذكي يُصبح قدوة، بينما يتحوّل المجرم الصغير إلى نجم “ترند” يحتفي به المجتمع. هذا ليس مجرد انحدار، بل سقوط حرّ في بئر لا قاع له، يُضيئه بريق زائف من أضواء المهرجانات والتصفيق الأجوف.
لقد ماتت الأخلاق في هذا الوطن ببطء، تحت أقدامنا ونحن نُصفّق ونُشجّع من كانوا أول من داسوا عليها. فإذا لم نفق اليوم، ونُدرك خطورة هذا السقوط، فلن نجد غدًا ما نُبكيه، ولن يبقى أطلالٌ لنترحم عليها.






































