العروبة … وبوح العلامات
بقلم ياسين محمد البكالي
لا أحسبُ السّيفَ يأتينِي ولا الكُتبا
بالصّدقِ ؛ أمّا لماذا فاسألا العرَبا
فالسّيفُ يَخفتُ عُزماً إنْ يدٌ قبضتْ
عليه واستَشعرتْ مِن بعدهِ التّعبا
ويفشلُ الحبرُ والأقلامُ إن عبثتْ
به أيادٍ توشَّى عقلُها الطّربا
كلاهُما يا أبا تمام قد وُضِعا
في موضِع الشّكِّّ إن جدّا وإن لعِبا
الصّدقُ أشرف طُهراً أن نسيءَ له
وليس يحتاجُ في إشراقهِ سببا
فهل ترى البَرَدَوْنِي حلَّ عُقدتَها ؟
فالأمرُ يزدادُ من أحوالِها عجبا
إني بَصُرتُ بما لم تبْصُرا فبدتْ
ضرّاؤنا نفسها تستعذبُ الكذبا
إليكما جئتُ يا أحبابُ في عجلٍ
شوقاً وأحملُ في أعماقي الغضبا
أتيتُ أزحفُ فوقَ اليأس نحوكما
والجمعُ والطّرح ما أبقوا لهُ أدبا
فجاءَ يُمعنُ في ضربي ـ وضاعَ على
نهاية الحُلم عنه ـ كل ما حسَبا
بالكسْرِ جاء أبو تمّام يُتحفُنا
وضمَّ في يدهِ (أُستاذُنا ) الكُتبا
لكنْ فتحتُ لأنّ الفتحَ ينقصُنا
ثلاثةٌّ هل تُرانا نُحسنُ الأدبا
وفدتُ أطلبُ من سُمر القنا رجلاً
ما راعَهُ الموتُ حتّى يأكلَ الرُّطبا
فأهْدرَ الجُبن بينَ الفاجعاتِ دمي
وهبَّ يرمي على آفاقيَ الشُهبا
بارتْ تجارةُ أقوامي وما ربحتْ
في الرّحلتينِ ـ لأنّ الصّدقَ قد غرُبا
وأشنعُ الرّبح ربحُ البطن ـ إن مُلئَتْ
كالنّار تجعلُ من أصحابها حطبا
ها نحنُ نبحثُ في الظّلماء عن قدرٍ
والعزمُ يخشى لدى أحشائِنا العَطَبا
ونحتفي بلغاتِ الّليل إن نطقتْ
نُزحزحُ الفجرَ عنّا كلّما اقتربا
مليون عبدٍ إذا أُلقُوا على أُحُدٍ
لما كفى هندُ أن تستقبلَ السّلبا
ما أخطأ الرّملُ ضرباً في كهانتهِ
وهِمّةُ الصّدق لا تستعذبُ العِنبا
لكنْ إذا أنكرَ الجُنديْ مروءتهُ
تغدو الكهانةُ في أكتافِهِ رُتبا
يستفحلُ الدّاءُ ما دامَ العدوُّ هنا
مَن أودعَ الدّاءَ فينا وقتَما ذهبا
فلا ابنُ سينا سيَجدِي في طريقتِهِ
ولا ابنُ سيرينَ مسروراً بما ضَربا
وضعتُ في جُعبتي (سيفاً وقافيةً)
وجئتُ أسحبُ في آثاريَ الحُقبا
إلى دياركَ يا ابن الضّاد إن صدقتْ
أبوَّةُ التّبْر لمّا ذهبا
ها أنتَ نشوانَ تُلقي الحزنَ في كبِدي
يُلملمُ المجدُ من عينيكَ ما سَكبا
(مرضى) الحضارات ليس الطّبُّ ينفعُهم
دواؤهُ (الصّفعُ) من يستوردُ الخشبا
عصماءُ ـ إنّ صفيرَ اللّيلِ يُفجعني
وضفّةُ الحزنُ منها خاطري ارتعَبا
هاتِ اليراعَ لأجلو فيهِ مِئذنةً
يُجلجلُ القلبُ فيها كلّما انتحَبا
لكي أسِنَّ من المنفى قوانيناً
تُنفي مِن الأرض مَن عن أرضِنا اغتَربا
وقد يمرُّ دهائي تاركاً “عُمَرَاً”
يرثي على حظّهِ في القوم حين صبا
وأصنعُ العُربَ في التّوراةِ مائدةً
ما راقَ منها يهوديٌّ بما كسَبا
أو نعجةً في حمى الأنجيلِ ساحَ بها
سُمُّ الأفاعي وكم أهمى وكم حلبَا
قد يغلبُ الرّومُ من بالأمس يغلبُهم
فهل سيغلبُ عربيٌّ إذا غُلبا ؟!
إن كانتِ النّكسةُ الأولى هزيمتَنا
فالنّكسةُ اليوم دينٌ فوقَنا صُلبا
اصفَرَّ فِكرُكَ يا ابنَ الضّادِ في لُغّتي
والصّفرُ أكبرُ تمثالٍ لمن رسَبا
رسبتَ في مادّةِ التّأريخ يا ابن أبي
قل لي بربِّك من أملى ومن كتبا ؟
اللّاتُ ما غادرتنا كي نُقبّحَها
فها هوَ الخزيُ في ساحاتِنا نُصبا
***
طفقتُ أُبعِدُ قلبي عن مشاورتي
وأختفي بين حزني كلّما طلبَا
فسُدَّةُ الحُكم قد سُدَّتْ كرامتُها
لما استعارتْ برأسِ الحاكمِ الذّنَبا
يا قومُ فاحتْ شجوني للسّنَا ألقاً
وأنتمو تسألونَ الغربَ ما جلبا !
أسلمْتُ أمري إلى خجلِي وقلتُ هُنا
لا يَصدقُ القلبُ إن إيمانُه نَضُبا
بُعِثتُ من أين ؟ لا أدري فقد جهِلتْ
عيناي طرفاً تَغاضى كلّما نُكِبا
حتّى عوى الويلُ حُزناً في منازلهِ
وأرهقَ الذّلُ من يمشي ومن ركِبا
تسعونَ عاماً مكَثنا فوقَ حيرتنا
نُسقي بِقِيح الصّدا سيناءَ والنقَبا
وهَمْهمَ القاتُ في صنعاءَ مُنتظِراً
زيتَ الكرامةِ كي يَلقى بهِ حَلبَا
نسيتُ يا سادتي واللهُ يشهدُ لي
فوضعُنا قد أضاعَ العرق والنّسَبا
طالَ النّعاسُ على جفنيهِ فانطفأتْ
فيهِ الشّهامةُ تَمحُو البأسَ والهُدُبا
ما زالَ في قمّةِ التّزيِيف مُرتبكاً
شأنُ الغبيِّ إذا في عقلِهِ اغتُصِبا
إنّ البليدَ بليدٌ في تَمكُّنهِ
تُبدِي سجاياهُ ما أخفى وما حجَبا
إلى الصّديقينِ ـ عُذراً جارَ ضيفُكُما
والقلبُ حقّاً على أيديكُما تَرِبا






































