بقلم الشاعر … مؤيد نجم حنون طاهر
حينَ ينهارُ الضّوءُ من الدّاخل …
—
في ليلِ الدّاخلِ،
حينَ تُطفئُ الرّوحُ مصابيحَها،
لا يُضاءُ شيء…
ولا تُغلقُ النّوافذُ تمامًا،
ثمةَ شقٌّ
ينزُّ منهُ وجعٌ لم يُسَمَّ،
وثمةَ قلبٌ
ينزفُ دونَ جرحٍ،
ويواصلُ الانهيارَ
كأنّهُ لم يُخلقْ ليُشفى.
—
ذاكَ الّذي يُشبهُ الإجابة،
يمضي متّكئًا على فراغٍ خفيّ،
يكتبُ وصفاتٍ
كأنَّهُ يخطُّ تعاويذَ لغيره،
وحينَ يفتحُ درجَ مكتبهِ
يجدُ وجههُ في المرآة…
أكثر هشاشةً من مرضاه،
يبتسمُ بابتسامةٍ مشروخة،
ويخفيها تحتَ عباءةِ العلم.
—
امرأةٌ
تحضنُ غيابَ إخوتها
كوسادةٍ خشنة،
تُغنّي للحائطِ
أغنيةَ من ظلٍّ وخوف،
تقولُ:
“لم أعدْ أملكُ إلا الذّاكرة،
والذّاكرةُ لا تُدفَن،
هي وحدها
ما يبقيني حيّةً،
وأنا لا أرغبُ بالحياة.”
—
في ممرّاتِ المستشفياتِ
أرواحٌ تسيرُ بلا أسماء،
وجوهٌ فقدت معنى الجدل،
ينظرونَ عبر الزّجاجِ
كأنّهم ينتظرونَ تفسيرًا
من كتابٍ لم يُكتَب بعد.
—
المدينةُ تُجيدُ تنظيمَ الجنازات،
تضعُ الزّهورَ وتُحضّرُ الكلمات،
لكنّها لا تملكُ عيونًا
ترى الدّاخلَ يتهاوى،
تخشى الاقترابَ من الّذين
يتحدّثونَ بنبرةٍ هادئة،
كأنّ الطّمأنينةَ
علامةُ انهيارٍ مؤجّل.
يسقطونَ بلا دموع،
بلا ضجيج،
بلا صرخةٍ
تستدعي الانتباه،
يسقطونَ كأنًهم يعتذرونَ
عن عبورهم في الحياة.
في زاويةٍ ما،
طفلٌ يسألُ:
“لماذا اختفى أبي؟”
ولا أحدَ يُجيدُ الجواب،
لأنَّ اللّغةَ تعجز،
والمعنى يُختبئُ
خلف أبوابٍ مغلقة.
الحزنُ لا يحتاجُ تفسيرًا،
هو أقربُ إلينا
من نبضاتِ القلب،
أذكى من محاولاتِ الإقناع،
وأقسى من حقنِ المورفين.
إنّهُ
الوجهُ الآخرُ للحقيقة…
حقيقةُ أنَّ العقلَ
ليس جيشًا،
وأنَّ المشاعرَ
أحيانًا تُسقِطُنا
بلمسةِ طفلٍ يبكي في الظّلام،
أو نظرةِ عجوزٍ
تُحدّق في اللّاشيء،
باحثةً عن مبرّرٍ لتعيش.
أحيانًا،
الهدوءُ علامةُ نداءٍ لا يُسمَع،
والضّحكُ محاولةٌ لردمِ الانهيار،
أحيانًا،
تكونُ “كيف حالك؟”
أخفَّ من أن تُقال،
وأثقلَ من أن تُجاب.
هكذا…
ينهارُ الضّوءُ من الدّاخل،
لا لأنَّ الليلَ أقوى،
بل لأنَّ أحدًا لم يُمسك بيده
حين تعثّرَ في العتمة.
بقلم الشاعر … مؤيد نجم حنون طاهر
العراق محافظة البصره






































