تسويق ثقافة القبح
(لابوبو )شاهدا
في زمن يُسوّق فيه (القبح)بوصفه موضة، ويُعاد إنتاج الذّوق الجمالي وفق قواعد السّوق لا وفق مقاييس الفنّ، لم يعد مستغربـا أن تتحوّل الدّمية (لابوبو)— ذات الأسنان المتنافرة والابتسامة المشوّهة — إلى أيقونة عالميّة، بل وأحد أكثر المنتجات مبيعـا في أسواق الفنّ واللّعب والدّيكور.
إنّها ليست مجرّد عروسة غريبة الأطوار- بل شاهد على زمن يُعاد فيه تشكيل الذّائقة الإنسانيّة على مقاس الاستهلاك، حيث يتمّ التّطبيع مع القبح، بل ورفعه إلى مرتبة من (الفنّ الحديث)الّذي يفرض نفسه لا عبر المعايير، بل عبر قوّة التّكرار والسّوق واحتضان المشاهير…
لابوبو: من قبح الأسطورة إلى سلعة الهويّة
لمحة عن دمية(لابوبو)
صُنعت دمية (لابوبو)(Labubu) في الصّين عام 2015 على يد الفنّان كاسينغ لونغ- وتمّ تبنّيها لاحقا من شركة (Pop Mart) لتتحوّل بسرعة إلى ما يشبه (ظاهرة جماهيرية)لابوبو ليست جميلة فهي ذات ملامح كاريكاتوريّة وأسنان غير منتظمة وعيون غريبة الشّكل لكنّها أصبحت معشوقة لدى جمهور واسع من مختلف الثّقافات…
هذه الدّمية القبيحة الشّكل الّتي وُلدت من رحم الخيال الأسطوري، أصبحت تُباع بأسعار خياليّة، ووُضعت في قوائم أمنيات البالغين والأطفال معًا…
والسّؤال—كيف حدث هذا؟ كيف انتقلنا من تمجيد الجمال إلى الاحتفاء بالقبح؟
—ثقافة القبح: من الفنّ الطّليعي إلى القبح المسوّق
تسويق (القبح)ليس جديدا فـمنذ القرن العشرين بدأت الحركات الطّليعيّة — كالدّادا والسّرياليّة — في كسر الصّورة التّقليديّة للجمال والاحتفاء بما هو عبثيّ أو صادم أو غريب ولكنّ الفرق بين تلك التّجارب وما يحدث اليوم-هو أنّ الفنّ الطّليعي كان موقفـا فكريـّا ناقـدا بينما القبح الحديث هو منتج تسويقي استهلاكي بلا عمق فلسفي…
نحن لا نتحدّث عن (قبح جمالي)له دلالات رمزيّة، بل عن قبح مصنوع عمدا، ثمّ يُجمّل بخطاب مزيّف يزعم التفرّد أو التّحرّر من المعايير—ويتمّ التّرويج له كموضة ويُزرع في الوعي الجمعي على أنّه مرادف للجرأة والتّقدميّة.
ومن آليّات التّسويق لهذا القبح بوصفه “أنا”
1–المفاجأة والتّفرّد—عبر صناديق المفاجآت— (Blind Boxes)، يشعر المستهلك بأنّه يملك شيئا نادرا— القبح هنا يتحوّل إلى علامة على التّفرّد
2–الرّغبة في الاختلاف:
في مجتمع متشابه- يصبح القبح اللّافت وسيلة للظّهور والتّمرّد
3– احتضان المشاهير لهذا القبح : حين تُعلّق كيم كارداشيان أو ليزا من BLACKPINK دمية (لابوبو )في الحقائب يتحوّل المنتج فورا إلى رمز ثقافيّ عالميّ
4–التّكرار والتّطبيع مع القبح—التّكرار يغلب الإحساس- حين تُكرّر رؤية القبيح في الإعلانات والشّارع والموضة والميديا يتحوّل تدريجيّـا إلى (مقبول)ثمّ (جميل)في اللّاوعي الجمعي
والشّواهد الـموازية على ثقافة القبح متعدّدة منها
1–موضة (الملابس القبيحة! -Ugly Fashion):
من الأحذية الضّخمة (مثل (Crocs وBalenciaga) إلى النّظّارات الغريبة والقمصان غير المتناسقة—تُروّج كبرى دور الأزياء لمنتجات تصدم الذّوق وتُباع بأرقام خياليّة
2-العمارة العبثيّة:
مبان مشوّهة، مائلة، مكعبّة أو دائريّة بلا انسجام بصريّ يُقال عنها إنّها (حديثة)أو (ما بعد حداثية)لكنّها في كثير منها تفكّك المعنى ولا تبنيه وقد تدمّره(لاحظته هذا النّوع من المباني في كندا في نياغرا مدينة الشلالات)
3–المحتوى التّرفيهي العنيف أو المشوّه حيث يُحتفى بمسلسلات وأفلام لا تحمل سوى العبث/ الدّم/والانحلال/ويُروّج لها كأعمال (جريئة)و(واقعية)و(تقدمية)
4– التّجميل المفرط أو المشوّه أخصّ بالذّكر التّعديلات الجماليّة الّتي تقتل الملامح الأصليّة وتُفرغ الوجه من تعابيره أصبحت هي النّموذج في الإعلانات حيث يُعاد تعريف الجمال كمجرّد (قناع) أمّا ما ينجرّ عن هذه العمليّة فهو غالبا كارثي(ربما أعود إليه في مقام آخر)
والســــؤال
لماذا يجب أن نقاوم هذا التّطبيع مع القبح المفتعل؟
الجـــــواب
لأنّنا نخسر شيئا أهمّ من مجرّد الذّوق —نخسر البوصلة الجماليّة الّتي كانت تمنحنا معيارا للجمال- للانسجام-للبهاء- للتّناسق -حين يُسوّق القبح بوصفه تقدّمـا فإنّنا لا نكسب حرّيّة بل نخضع لمنطق السّوق الّذي لا يبحث عن الفنّ بل عن الجديد فقط — وإن كان فارغـا أو صادمـا وهكذا يتعرّض
الإنسان إلى التّسليع والتّبضيع
داخل رحى تطحن كلّ شيء
في الختام
إنّ (لابوبو) هذه الدّمية الصّغيرة ذات الابتسامة المشوّهة ليست (مجرّد عروسة)بل علامة من علامات عصر يُعلي من التّفاهة ويهدم الذّائقة العامة تحت شعارات زائفة… علينا أن نُعيد النّظر في ما نستهلك-وما نحتفي به-لا لنعود إلى الجمال الكلاسيكي الجامد-بل لنحفظ على الأقل توازننا الإنسانيّ والجمالي في مواجهة زحف ثقافة القبح…
المراجع
محرك البحث(google )
فيما يخص معلومات حول الدمية (لابوبو)
ملاحظة صورة الدمية في أول تعليق
فائزه بنمسعود
3/8/2025






































