امتداد نسل النبي محمد ﷺ
قال الله تعالى:
﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾ [الكوثر: 3].
هذه الآية الكريمة ردّ على من زعم أنّ رسول الله ﷺ لا عقب له، وأنّه إذا مات، انقطع ذكره. وقد أبان الله في هذه السّورة أنّ المبغض الحقيقي هو المنقطع الأثر، بينما ذكر النّبي ﷺ ونسله باقٍ إلى يوم الدّين، ومرتبط بالشّريعة الخالدة، وبقلوب الأمّة المؤمنة.
أوّلاً: معنى “الأبتر” في تفسير أهل السّنّة
قال الإمام الطبري: “يقول تعالى ذكره: إنّ مبغضك يا محمد، هو الأبتر المنقطع عن الخير، المنسيّ الذّكر” (1).
وقال ابن كثير: “يعني: هو الأبتر الأقلّ الأذلّ المنقطع ذِكره، وقد ردّ الله تعالى عليهم بقوله: ﴿إنا أعطيناك الكوثر﴾” (2).
فدلّ ذلك على أنّ من زعم أنّ النّبي ﷺ لا عقب له، هو المنقطع، لا رسول الله.
ثانيًا: استمرار نسل النّبي ﷺ من فاطمة الزّهراء رضي الله عنها
من المعلوم بالاتفاق عند أهل السّنّة أن للنبي ﷺ من الأولاد: القاسم، وعبد الله، وإبراهيم، وكّلهم ماتوا صغارًا، أما فاطمة الزّهراء رضي الله عنها، فقد بقي نسل النّبي منها.
قال ابن حجر العسقلاني: “وكان جميع أولاد الّنبي ﷺ من خديجة إّلا إبراهيم، وكلّهم ماتوا في حياته إلّا فاطمة، فإنّها عاشت بعده ستة أشهر، و**من نسلها كان الحسن والحسين، وانتشر نسل الّنبي ﷺ من الحسين أكثر” (3).
ثالثًا: تواتر النّسب النّبوي الشّريف في التّاريخ السّنّيّ
أكدّ علماء النّسب والسّير أنّ ذريّة النّبي ﷺ منتشرة في الأمصار.
قال الإمام الذّهبي في “سير أعلام النّبلاء”: “كان من ذرّيّة الحسين: علي زين العابدين، ومنه نسل كثير من الصّالحين والعلماء الّذين انتشروا في البلاد، وهم معروفو النّسب” (4).
وقد أقرّ الإمام الشّافعي بحرمة آل البيت، وقال:
“يا أهل بيت رسول الله حبّكم
فرض من الله في القرآن أنزلهُ” (5)
بل إنّ الدّول الكبرى مثل الدّولة العباسيّة والفاطميّة والأدارسة بالمغرب، كلّها نسبت نسبها إلى أهل البيت، وإنّ تفاوت الثّبوت.
رابعًا: حفظ الله لنسل النّبي ﷺ وعدم انقطاعه
ثبت في الحديث الصّحيح:
“كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلّا سببي ونسبي” (6).
قال الإمام السّخاوي: “يدلّ هذا الحديث على أنّ ذرّية النّبي ﷺ باقية إلى يوم القيامة، محفوظة من الانقطاع، تكرمة له ﷺ” (7).
وهذا من معاني الكوثر، أي الخير الكثير، ومنه النّسل الطّيّب.
خامسًا: موقف أهل السّنّة من إنكار النّسب النّبوي
أنكر بعض الجهلة أو المغرضين وجود ذرّيّة للنبي ﷺ في هذا الزّمان، وهو قول باطل، مردود عند أهل السّنّة.
قال الشّيخ ابن عثيمين رحمه الله: “آل البيت باقون، ومنهم من يعرف نسبه، والواجب محبّتهم وتوقيرهم، لا لأنّهم أحياء أو أموات، ولكن لأنّهم من نسل النبي ﷺ” (8)
كما أكدّ الإمام النووي أن: “أهل البيت هم من حرمت عليهم الصّدقة، وهم آل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل العباس وآل الحارث، ومن ذريتهم المعروفين إلى اليوم” (9).
وهنا لا يمكن تجاهل حفظ الله ذكر نبيه ﷺ، وأبقى له النّسل الطّاهر الممتدّ من فاطمة رضي الله عنها، حتّى يومنا هذا، وهذا ثابت بنصوص القرآن، وصحيح السّنّة، وإجماع أهل العلم من أهل السّنّة والجماعة. فكلّ من أنكر ذلك، فقد خالف نصّ القرآن ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾، وخالف التّواتر التّاريخي الّذي أثبته أئمة الإسلام عبر القرون.
المراجع
1. تفسير الطبري، أبو جعفر الطبري، تفسير سورة الكوثر.
2. تفسير ابن كثير، إسماعيل بن عمر، تفسير سورة الكوثر.
3. الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، مادة: فاطمة الزهراء.
4. سير أعلام النبلاء، الإمام الذهبي، ترجمة: علي زين العابدين والحسن والحسين.
5. ديوان الشافعي، طبعة دار المعرفة.
6. أخرجه الطبراني في “المعجم الكبير”، وقال الهيثمي في “مجمع الزوائد”: رجاله ثقات.
7. المقاصد الحسنة، الإمام السخاوي، حديث: “كل سبب ونسب ينقطع”.
8. فتاوى نور على الدرب، محمد بن صالح العثيمين، باب: آل البيت.
9. شرح صحيح مسلم، النووي، باب: فضل آل البيت وتحريم الصدقة عليهم.
حميد بركي






































