كتب … حميد بركي
الشّعر ليس سباقاً …
الشّعر ليس سباق أرقام ولا، ميدان مقارنة، ولا مضمار منافسة كما يظنّ بعض النّاس. الشّعر شيء آخر مختلف تمامًا روح تتنفسه القلوب قبل أن تدوّنه الأقلام ليس عدد أبيات ولا حروفًا مرصوفة، ولا قوافي متراصّة ولا بحورًا موزونة بقدر ما هو دفقة شعوريّة تنبثق من أعماق الشّاعر حين يختلط الحرف بالوجدان ويتوهّج المعنى فيشتعل القلب على الورق، كما أنّه نضال ليس بطولة في الحفظ، ولا مهارة في التّلاعب بالأوزان ولا براعة في تزويق العبارات، وإنّما هو أجوبة عن الف سؤال وسؤال، ليس أدوات، فهو النّبض الّذي يجعل من اللغة حياة حين يتحوّل النّصّ إلى نبض حيّ يتحرّك في القلب ويترك أثره في الرّوح حين يشعر القارئ أنّ الكلمات خرجت من روح صادقة وأنّها تعبّر عن معاناة أو أمل أو حبّ أو حكمة أو حتّى لوعة خفيّة حينها فقط يكون النّصّ شعرا أمّا ما سواه فهو عبارة عن زخرف خال من الحياة، لأنّه
لا يُقاس بالكمّ ولا بالتّصفيق ولا بعدد الجوائز ولا بمدى شهرته بين النّاس. الشّعر هو الصّدق الّذي يسري بين السّطور هو هذا الإحساس العميق بأنّ القصيدة كلمات قلب ينبض وعين تبكي ويد ترتجف وذاكرة تحكي الشّعر لا يخضع للجوائز ولا للهيئات ولا للجان التّقييم لأنّ روحه لا تُصنَّف ولا تُباع ولا تُشترى، لا يعرف الأرقام لأنّه لا ينتمي إلى عالم الإحصاء بل هو ابن اللحظة الحرّة حين تصفو الرّوح ويتدفّق النّور من الدّاخل…
هناك من يظنّون أنّ الشّعر مسابقة من يكتب أكثر من يحقّق شهرة أكبر من ينال التّكريم الأكثر لكنّهم واهمون الشّعر لا يُكتب لهذا الغرض أبدًا لأنّ الشّعر يكتب نفسه بنفسه. الشّاعر لا يملك أمام القصيدة إلّا أن يصغي إليها ويحسن استقبالها فإن جاءت جاء معها الإلهام وإن تأخّرت فعليه أن ينتظرها بصبر الشّعر مثل المطر لا يسقط حين نطلبه بل حين يشاء هو أن يهطل. الشّعر ليس شيئًا يصطنع أو يُفرض إذ لا يمكن لأيّ شاعر مهما بلغ أن يقرر متى يكتب الشّعر ولا أن يضمن وصوله إلى المتلقّي. فالشّعر رسالة قد تصل إلى قلب بسيط في أبعد قرية وقد لا تصل إلى جمهور صاخب في أعظم المهرجانات.
الشّعر لا يُقاس بمن قال إنّك أفضل شاعر ولا بمن قارن بينك وبين غيرك لأنّ الشّعر لا يُقارن ولا يُوزن بمنطق الأفضليّة.
من يقيس الشّعر بالأرقام إنّما يقتل روحه الحقيقيّة. الشّعر تجربة حياة ،كلّ شاعر له تجربته ،وكلّ تجربة لها نكهتها الخاصّة.
ومن هنا يصبح السّؤال عن الأفضل لا معنى له لأنّه سؤال خارج الشّعر أصلا لا يعترف إلا بالصّدق الّذي يحمله النّصّ ولا شيء سواه، روح تنمو وتكبر وتذبل وتحيا بحسب صدق التّجربة، هو تلك اللحظة الّتي يتجرّد فيها الإنسان من كلّ قناع حين ينزف صدقه بلا حساب ،حين يتكلّم بلسان قلبه لا بلسان الآخرين حين يكون أمينًا مع نفسه ومع قرّائه، حينها فقط يمكن للقصيدة أن تكتب نفسها على الورق ويولد الشًعر الحقيقي.
لهذا الشّعر ليس ضرب أرقام ولا لعبة تنافس ولا سلعة تباع وتُشترى، الشّعر هو الكلمة الّتي تصدر من قلب الإنسان لتستقر في قلوب الآخرين بلا حاجة إلى تصفيق ولا أوسمة ولا شهرة بل فقط لحظة صدق بين الكاتب والحرف وبين القارئ والمعنى.
كتب … حميد بركي






































