ثورة الشَّك
المشهد الأول
جالسٌ، وبجواره فنجان القهوة، شبَّك أصابعه، نظر سقفًا، تفكير عميق، عينان تشتعلان، ينفخ دخان سجائره يشعل الواحدة تلو الأخرى؛ هدوء يغلِّف لظى بركان متأجّج يفجّره أقلّ كلمة تُقال، رأسه يغلي، تصلّبت دماؤه في العروق، ألغام توشك على الانفجار تُنهي كلَّ قدرة على التَّفكير؛ شكٌّ قتَّال أين؟! متى؟! كيف؟! أسئلة عادية تحوِّل مجرى الحياة إلى ساحة حرب.
شكٌّ ينخر في الرّأس، ينحل الجسد، يتحسّس منه النَّاس، كمرض عضال ليس له علاج.
المشهد الثَّاني
ظلَّت تبحث، تفتِّش هنا وهناك، ألقت ملابسه أرضًا، بعثرت أشياءه الخاصّة، اخترقت هاتفه، شعرها المبعثر يرثي عقلها الَّذي طار نصفه؛ قِدْر من الماء يغلي على موقد النَّار، تبخَّر ماؤه صار كالقنبلة الموقوتة الجاهزة للانفجار مع أبسط لمسة، صراخ وتهديد، شكٌّ في كلِّ حركة، كلِّ كلمة، كلِّ نظرة؛ أصابع الاتهام تنبئ عن رحيل مميت.
المشهد الثَّالث
شيخ نائم في مرضه الأخير، ينهار كلَّ ثانية، كلَّ رشفة دواء، كلَّ قطعة طعام، كلَّ قطرة ماء تمرُّ بسلام يظنُّ أنَّه قد نجا من موت أكيد، قد سيطر الشَّكُّ عليه، أولاده سوف يتخلَّصون من عبء مرضه في أيِّ لحظة؛ مات منذ لحظة الشَّكِّ الأوّل، فعلام يخاف من قتله!!!!!!
وهكذا فالشَّكُّ ثورة عقليّة، هواجس تقطع أوصال الخلايا؛ فيبدو المشكّكُ في هالة من الجنون غير المنطقيِّ، حالة مدمّرة للحياة، تزجُّ بالأحبَّة في سجون الاتّهام، تسحق حياة الشَّخص نفسه والمحيطين به؛ تحوُّل الوقت إلى كتلة نيران حارقة تستعر كلَّما مرَّ عليها الوقت.
ليس للشَّكِّ علاجٌ إلّا أن تتوضّأ وتصلِّي، تجلس على سجادة صلاتك؛ تدعو بما تشاء، فتهدأ الثَّورة، ينطفئ لهيب البركان، تتجمّع الأشلاء المبعثرة، يستعيد العقل قدرته على التَّفكير، تبقى في حالة مطمئنة خالية من الشَّكِّ المميت.
الكاتبة الصحفية/ د. دعاء محمود
مصر
دعاءقلب






































