بقلم… ريتا السعداوي
ستغنّين وترقصين،
وتعودين بكلِّ حفاوةٍ إلى نفسِك ذاتَ يوم.
ستشربين شايًا بالنّعناعِ الأخضر،
وقهوةً بالهيل،
وتعزفين أمل حياتي
وكل ليلة وليلة.
وتغنّين:
“أنا والعذاب وهواك…”
ستجلسين على رصيفٍ قد بنَتْه أمُّكِ من الطّين،
قبل خمسين عامًا،
وتبتسمين في حزنٍ، وألمٍ، وأسى،
وربّما تخجلين —
من كلِّ شيء،
بطريقتكِ المعتادة لإقرارِ أيِّ شيء:
كالامتنان،
والمحبّة،
وربما كلِّ شيء.
كما تعلّمتِ في تلك القريةِ النّائية
الّتي لا وجودَ لها في هذا العالَم
إلّا كحبّةِ قمح،
كسُنبلة،
كوردة —
بلا تشبيهٍ ولا محاولةٍ لإقرارِ ما كان.
صار كلُّ شيءٍ في عقلِكِ أعمقَ من حقيقتِه،
وأكبرَ من قيمتِه،
وصار كلُّ شيءٍ مُحمَّلًا بما ليس فيه.
وصرتِ أنتِ… كما كنتِ،
نبتةً تُصارعُ البردَ والليل،
والأوجهَ المُقتضبة،
والابتساماتِ المشطورة.
واشتدّ عودُكِ،
وكبرتِ لتصبحي كما كنتِ،
كما كان متوقّعًا لكِ،
كما صَوّركِ في بالِ العالَم،
وكما خُطِّطَ لكِ…
ولكن… هل هذا ما تتمنّين لنفسك؟
أعرف… ستضحكين،
وتنظرين من النّافذة،
هاربةً منكِ، ومنّي،
ومن أعينِ المسافرين،
ومن التّجمّعاتِ السّكنيّة،
والبيوتِ الواسعة،
ومن الأخضر،
ومن الأزرق،
وربّما من وجهِكِ في المرآة،
وربما من رغبتِكِ في إضفاءِ روحِكِ
على الكراسي،
والجدران،
والنّوافذ،
والبيوت،
وساكنيها…
ستملّين يومًا،
وستتسلّقين بشغفٍ جدارَ الاجتماعياتِ المُريب،
وستُلقين بنفسك من أعلى نقطةٍ فيه،
ستسقطين في بئرِ الوحدة،
لتتعظي،
وتندمي على ما حَكَّ جلدَكِ من وازعٍ نحو التّواصل…
وتُعادُ الكَرَّة:
تفقدين الهدوء،
فتميلين إلى الوحدة،
تكتظّ البيوت،
وترمين بنفسك
في حِضنها بلا تفكيرٍ ولا تذكُّر.
وحين تُقفلين الباب،
وتنامين لعدّةِ ليالٍ،
تنهشين الجدرانَ بحثًا عن أثرٍ لحياة.
.
بقلم… ريتا السعداوي
مصر






































