ألف شكر ومحبّة د.بعلبكي
وكلّ التّقدير والاحترام لسطوع فكرك وكلماتك وشموخك واعتزازك
كم أسعدتني بقراءتك لحروفي بأسلوبك النّابض بالإبداع!…
Hasna Sleiman
قراءة لنص “بين العطور” للشاعرة حسناء سليمان
ثنائيّة الجمال والألم في القصيدة:
العطور والزهور مثل الورد والزنابق والأقاحي تتحوّل إلى قوى غازية (كما في عبارات “اقتحمني”، “هاجمتني”، “أدمت قلبي”).
الطبيعة هنا ليست ملاذًا آمناً، بل فضاءً متناقضًا: الزهور تُؤلم، والصّنوبرة العتيقة تصير رمادًا، والعلّيقة تُدمي المهجة.
الهويّة الضائعة:
السّعادة مدفونة تحت حصى النبع (وهو رمز للطفولة البريئة مع الأب).
الذات تتشظّى (“العُطور تُبعثرني… في يمّ الضياع”) في بحثٍ محموم عن الهوية تحت ركام الذكريات.
يحدث تحوّل تراجيدي للشاعرة إلى عناصر طبيعية (“جذوة الينبوع”، “جذور الدلب”) كتعويض عن الضياع.
صورة الأب كفردوس مفقود:
النبع الصغير يمثّل فضاءً مثاليًّا للحبّ والانتماء (“عشقنا نبعنا”).
حضور الأب يُشكّل “بخور الخلود” (خلود الذكرى مقابل فناء الجسد).
الدموع في النبع تعبّر عن محاولة يائسة لاستعادة الماضي، لكن السعادة “تَعمّقت في التراب”.
السؤال الوجودي:
صرخة الشاعرة: “ما هذا الظلام في الأرض؟!” تساؤلٌ مرير عن شرور العالم رغم حضور الشمس اليومي.
تناقض صارخ بين: نور الشمس (رمز الله) وظلمة الأرض، وبين الخير المتوقّع وشرور الإنسان (“هل يُورع الخير فينا؟!”).
الركض نحو العلياء حركةٌ يائسة للهروب، لكنّها أيضًا بحثٌ عن نورٍ إلهي.
الرمزية والأسلوب:
الطبيعة مسرحٌ للصراع: الورود تصير جروحًا، العصافير تتحول إلى صرخات، الرماد يدلّ على الفناء.
تكنيك “التدمير الشاعري”: تحويل العناصر الجميلة (كالعطور) إلى أدوات ألم (“الزّنابق تعالت من حبّ” – فتعاليها يصبح قمعًا!).
الإيقاع المأساوي يظهر في جملٍ قصيرة متقطّعة (“سأركض!… سأركض!…”) تُحاكي أنفاسًا منهكة.
الخاتمة:
القصيدة ترسم رحيل الفردوس الذي صنعته الذاكرة مع الأب.
الضّياع ليس في العُطور بل في استحالة العودة إلى زمن النبع الصغير.
السؤال الأخير ليس عن ظلام الأرض، بل عن ظلام الإنسان الذي يذبل فيه الخير:
“الشاعرة تدفنُ سعادتها تحت حصى الماضي،
ثم تكتشفُ أن النبعَ صار مرآةً لدموعها،
وأن جذورَها صارت سجونًا!”.
النّصّ:
بين العطور
ضعت بين العطور …اقتحمني الورد
الأشواك أدمت قلبي
الزّنابق تعالت من حبِّ
هاجمتني الأقاحي
هجرتني الرّياحين
تلك الصّنوبرة العتيقة
جلست القرفصاء …في السَّمَاء
أغصانها رحلت …رمادًا
عنّفها الهواء …أدمى مهجتي
والعلّيقة تتهادى لعينيَّ
في مسامعي
العصافير تُزقزق
بين أزهاٍر شائكة
وأنا هائمةٌ إلى الوادي
هناك نبعي الصّغير
جلسنا معاً أبي وأنا
وعشقنا نبعَنا
هناك،الرّوحُ الجميلة تعانقني
عَرْفُها بخورُ الخلود
دموعي تكرج في النّبع
بين الحصى ، دفنتُ سعادتي
كيف لي أن أسترجعها
تعمّقَتْ في ترابِ وطني
صِرْتُ جذوة الينبوع
وجذور الدّلب
وقهقهة الشّربين
هناك أضعت هويّتي
العطور تُبعثِرُني ،تَنثُرُني
في يمّ الضّياع ،تُغرقُني
سأركض !…
سأركض !…وأنظر إلى العلياء
يا الله!…
أنت نورُ العالم !….
ما هذا الظّلامُ في الأرض ؟!…
( ما هذا الظّلام في الأرض ؟!… والشّمس تنثر الدّفء والنّور كلّ صباح !…
هل يُورِعُ الخير فينا ؟!… وتذبلُ الشّرور !…)
الحسناء ٢٠١٩/٦/٣







































Discussion about this post