عطر الأرض لا يُشترى :
قصة قصيرة مستوحاة من المثل العربي تموت الحرّة ولا تأكل بثديها
في طرف البادية ، حيث الأرض تفرش جدائل الرّمل وتغنّي الرّيح أغنية الكبرياء ، عاشت جميلة بنت عاصم ، فتاة من نسل كرام ، ورثت عن أبيها سيف الشّرف ، وعن أمّها ثوب العفّة .. لم يكن لها من الدّنيا إلّا خيمة صغيرة وسقاء ماء وبعض من خُبز يابس ، لكنّها كانت تمشي كأنّها ابنة ملك ، والعفّة تاجها
جفَّ الزّرع في عام قحط ، وهلكت الماشية ، وسقطت السّماء عن عطائها ، حتّى لم يبقَ في البادية إلّا الجوع والحصى. تفرّق النّاس ، وهرع الفقراء إلى أبواب الأغنياء .. أما جميلة فشدَّت خمارها فوق وجهها ومضت تبحث عن عمل بشرفها ، فلا رضيت أن تستجدي ولا أن تذلّ نفسها
في أحد الأيام طرق بابها شيخ من وجهاء القوم وقال :
– يا جميلة ، أما وقد ضاق الحال ، فإن لي عندك عرضًا ..أريدك مرضعة لطفلي اليتيم ، ولي عليك ما تشائين من الذّهب والكساء والطّعام
سكتت جميلة ، ثمّ قالت بهدوء يقطر كرامة :
– يا شيخ ، أنا لا أبيع صدري إلّا لطفلي، ولا أرضع إلّا ولدًا خرج من رحمي .. أمّا رزق الله فهو أكرم من أن أستدرَّه بثديي
غضب الشيخ وقال :
– ولكن الجوع كافر ..!
فأجابت وقد رفعت رأسها كالنّخلة :
– الجوع كافر ، ولكن المذلّة أشدّ كفراً .. تموت الحرّة ولا تأكل بثدييها
تركها الشّيخ وذهب ، وأمّا هي فجلست عند باب خيمتها ، تغزل من الشّمس نورًا ، ومن الصّبر خبزًا .. وبعد أيام مرَّت قافلة كانت تحمل الزّاد لأهل البادية من سلطان عادل سمع بحالهم فأنقذهم ، وكان في القافلة رجل من وجهاء المدينة ، سمع بموقف جميلة فسعى إليها ، وتزوّجها ، وقال :
– من لا تبيع كرامتها في الجوع ، تشتري الدّنيا برجاحة عقلها
فأصبحت خيمتها قصرًا ، لكن ما تغيّر فيها شيء .. ظلّت جميلة ، تمشي في الأرض بعطر لا يُشترى .
بقلمي
أحمد سلامة
موج القوافي







































Discussion about this post