“عائلة الحاج متولّي”.. سيرةُ قلوبٍ نزفتْ ذهباً وحُبّاً وخيانةً ..
بقلم : سلمى صوفاناتي
في ذلك الزّقاق العتيق، حيث تتنفّس الجدرانُ ذكرياتٍ من زمنٍ غابر، وتهمسُ صور الأجداد بحكاياتِ مجدٍ تلاشى كالدّخان، تُحاكُ ملحمةٌ إنسانيّةٌ تمسّ شغافَ القلب. هنا، حيث يتصارعُ النّبلُ مع الدّناءة، والحبُّ مع الجشع، والوفاءُ مع الخيانة، يقف الحاج متولّي كشاهدٍ على تناقضاتِ الوجود.
من ظلمةِ الفقر إلى وهجِ الثّراء.. رحلةٌ تكادُ تكونُ أسطورةً :
بدأ الرّجلُ حكايتَه بين رفوفِ الأقمشةِ البالية، حيث تُختزلُ الأحلامُ بين ذراعي التّعبِ والفقر. لكنّ الأقدارَ، بتقلباتها القاسيةِ، كانت تُخبئُ لهُ مفاجأةً مصيريّةً.. وقفتْ أمامه الأرملةُ “زبيدة” كشبحٍ من الماضي، لتمنحه فرصةً تُقلبُ موازينَ حياتِه. لم يعلمْ أنّ هذا الزّواجَ سيكونُ البابَ الّذي يُدخلُه إلى متاهةٍ من العواطفِ المتشابكةِ، حيثُ لا مكانَ للبراءةِ بعد اليوم.
خمسُ نساءٍ.. خمسة دوّاماتٍ من المشاعرِ والألم :
1. زبيدة: الحبُّ الأوّلُ الّذي رحلَ مبكراً، تاركاً خلفه جرحاً غائراً وطفلاً سيصبحُ شوكةً في خاصرةِ الزّمن.
2. أمينة : (ماجدة زكي): المرأةُ الّتي وهبتْ عمرَها لتربيةِ طفلٍ ليسَ من دمِها، لتكتشفَ لاحقاً أنّ القلوبَ قد تكونُ قاسيةً كالحجارة.
3. نعمة الله (غادة عبد الرازق): العاشقةُ الّتي دخلتْ قفصَ الذّهبِ ظنّاً منها أنّه قفصُ الحبّ، فوجدتْ نفسَها سجينةً في زنزانةِ المشاعرِ الأحادية.
4. مديحة : (سميّة الخشّاب): البراءةُ الّتي تحوّلتْ إلى فتنةٍ، فشعّلتْ نارَ الغيرةِ بين الجدرانِ، وأذابتْ صفاءَ القلوبِ.
5. ألفت (مونيا): الذّئبَ الّذي ارتدى ثيابَ الحملِ، ليُذكّرنا أنّ بعضَ الوجوهِ تُخفي خلفَها عوالمَ من النّفاقِ.
الاختبارُ العظيم.. حين يُصبحُ المالُ مرآةَ الأرواح :
في ليلةٍ من ليالي القدرِ، يُقدِّمُ الحاجُ متولّي على خدعةٍ كبرى.. يُعلنُ إفلاسَه! وكأنّما يُلقي بحجرٍ في بركةِ الزّوجاتِ الرّاكدةِ، ليرى أيًّا منهنّ ستغوصُ في وحلِ الأنانيةِ، وأيًّا منهنّ ستطفو على السّطحِ بقلبٍ نقيٍّ. هنا تكمنُ المأساةُ والجمالُ.. فالحبُّ الحقيقيُّ لا يُختبرُ، لكنّ البشرَ – بضعفهم – يجبروننا على كشفِ ما تُخفيهِ الصّدورُ.
ما بين السّطور.. حِكَمٌ تسبحُ في بحرِ الدراما.
لم تكُن “عائلة الحاج متولّي” مجرّدَ حكايةٍ عن تعددِ الزّوجاتِ، بل كانت رحلةً في أعماقِ النّفسِ البشريّةِ:
– هل المالُ يُغيّرُ القلوبَ، أم يكشفُ ما خُفيَ منها؟
– هل الحبُّ يُبرّرُ تعدّدَ الزّوجاتِ، أم أنّ الأنا الذّكوريّةَ تتخفّى وراءَ ستارِ الدّينِ؟
– إلى أيّ مدىً يمكنُ أن تنحني مبادئُ الإنسانِ أمامَ إغراءاتِ المالِ؟
الجزءُ الثّاني.. الحلمُ الّذي سرقَهُ الموتُ :
عندما أُعلِنَ عن “أولاد الحاج متولّي”، تهيّأَ الجمهورُ لاستكمالِ الرّحلةِ، لكنّ القدرَ كان يُخبّئُ ضربةً موجعةً. رحلَ الفنانُ العظيمُ نور الشّريف، تاركاً خلفه أسئلةً معلّقةً في الهواء: ماذا لو تقابلَ الأبناءُ مع أشباحِ ماضي أبيهم؟ كيف كانت ستتطوّرُ علاقاتُ الزّوجاتِ بعد رحيلِ سيّدِ البيتِ؟
في النّهاية.. تحفةٌ فنيةٌ لا تُنسى :
بين دموعِ النّساءِ المكسوراتِ، وضحكاتِ المُتآمرينَ، وصمتِ الحاج متولّي الواقفِ كتمثالٍ في منتصفِ العاصفةِ، تركَ لنا هذا العملُ سيرةً ذاتيّةً لمجتمعٍ بأكمله. لم نرَ أبطالاً خارقينَ، بل رأينا أناساً عاديينَ.. يخطئونَ، يُحبّونَ، يُخونونَ، ثمّ يحاولونَ النّهوضَ من جديدٍ.. تماماً مثلنا …








































Discussion about this post