بقلم الكاتب
محمد عسكر
تشرق الشمس عادة يوميا على البشر وعلى يمينهم ويسارهم اثنين من الملائكة ؛ أحدهم يكتب الحسنات والآخر يكتب السيئات ” الا في هذا المكان فقد رفع القلم عن المقيمين بداخله !! أنه اليوم الثالث من ايام شهر رمضان ؛ الشمس شديدة الحرارة ؛ ولكن هذا لا يفرق فهنا لا احد يصوم من المرضى ففى تلك الحالات هو لن يحاسب فى الدنيا أو الآخرة ؛ حتى لو قتل أحدهم !! أنها السنه الثانية لى فى هذا المكان ؛ اعمل طبيب نفسى عينت لمتابعة الحالات الخطرة والعزل ” اخبرني طبيبي أنه يتوجب على التقليل من التدخين لبقائي على قيد الحياة ؛ وأن قلبي ما عاد يتحمل الإفراط فى التدخين .. ولكن ما أراه واسمعه هنا من حكايات المرضى !! لا يسمح لى بذالك ” بل يجعلني أدخن أكثر قبل أن أفقد عقلى من كثرة التوتر .. قلة تناول الطعام جعلت من جسدي كشجرة جافه أغصانها ؛ وشحب منظرها ؛فكل ما أراه هنا يفقدني شهيتى .. أما عن زملائي هنا في العمل من الأطباء ‘ فأنا بنسبة لهم نجم ساطع !! كل من بالمشفى يهوى الاختلاط بي ومداعبتى .. كصديق حميم له .. رغم انى لا اهتم كثيرا بمظهري أو تصفيف شعرى !! الا انى احظى باهتمام كثيرا من الطبيبات والممرضات ؛ أنهم يبتسمون لى كثيرا ويحاولون دائما التقرب والتودد لى ؛اما عن باقى أعضاء الإدارة والمدير !! فهؤلاء يريدون حقا التخلص منى فى اقرب فرصة ” بل وأشعر أنهم يريدون اعتقالي احيانا ؛ لذالك اتوجس منهم خيفة واحتاطت منهم دائما !! أنهم يعلمون جيدا انى اعرف كل ما يخص المرضى وعن حكاياتهم ؛ وما السبب الحقيقي الذى جاء بهم إلى هنا ؟ وما هيا حالتهم الحقيقية ؟ انهم حقا أناس يؤمنون بأنفسهم يصدقون ما يدعون بشكل كبير !! حتى أن أحدهم يدعى الألوهية .. ولو تفوه احدى الممرضات عن ضيق ونادى قائلا يارب رد هو عن صدق بداخله من ينادى هناك !! انها بداية اليوم .. استدعدلت قائمتي بعد وصولي أمام باب المشفى .. وقفت أشعلت سيجارتي التي لا تفارق شفتاى الا عند اشتعال غيرها !! دلفت من الباب ؛ امسك بيدي حافظة الاوراق وملفات بعض المرضى فى الحقيبة .. وكالعادة ابتسم لى حارس البوابة فرحا بقدومي قائلا : اهلا وسهلا يا دكتور حمدلا على السلامة .. اشرت له مبتسما رافعا له يدى لأعلى بابتسامة .. ثم تجولت قبل البدأ فى اختيار من سأقابل اليوم من المرضى ؛ فمنهم احيانا لا تصلح حالته للمقابلة .. على اليمين حدائق وبساتين مبهجه . وعلى الشمال مقاعد يجلس عليها المرضى يستنشقون هواء نقيبا أما فى الداخل فهنا حقا تستطيع أن تبكى وتضحك وتندهش فى آن واحد من ما يفعلونه المرضى أرى أحدهم الان تقف أمام الحائط وتكلمها وتصرخ فى وجهها وترتعش جميع اجزاء جسدها أما على اليمين يوجد شخص بدين قليلا يرحب بقدوم والده إليه للزيارة ثم ينسى أنه رأه ويعيد القره من جديد مرحبا به كأنه رآه من اول مره أما على المقعد يجلس رجل فى تمعن وصفاء يحدث شخص غير موجود .. أقدمت بعض الممرضات فرحة تضحك وترحب بي .. احضرت معها فنجان القهوة خاصتي .. ثم قالت بمن ستبدأ اليوم ايها الطبيب .. أنها تعلم انى احيانا لا افضل أن اجلس فى مكتبى واقم باستدعاء المريض أو المريضة .. بل في حديقة المشفى وسط الزهور والبساتين الخضراء .. افضل مقابلتهم ؛ أن صفاء الجو هنا يساعد المريض على التحدث . ربما يظن الكثير من الناس أن حديث المريض شئ سهل ؟! على العكس تماما فأحيانا يجلس المريض صامتا شهور بل من الممكن أن تمتد لأكثر من سنه . رفعت رأسي بأيماء للممرضة فى إشارة حين تتبع تدل على تلك الفتاة الجالسة هناك أنها سلوى. اخبروني أنها جاءت إلى هنا بعد أن ارتكبت جريمة قتل !! وأثناء قرأتى لملفها وجدت أنها قد قتلت أبيها !! وحين تم سؤالها قالت بأنها لا تعرف شئ عن ذالك الحادث !! وصنفت من قبل الأطباء بأنها مريضة نفسية وتعانى الفصام ولكن الحقيقية دائما تجلس داخل الصدور .. لا احد يعلمها أحاول انا جاهد أن اقتلع تلك الحقيقة من داخل صدرها بشتى الطرق ” حتى تفوهت اخيرا بقليل من السر فى المرة السابقة قالت وهيا شاردة : يتدلى شعرها الغجري المبعثر وتغطيه بعض الأتربة على وجه قد كان فى السابق على ما يبدو جيدا.. رفعت حينها رأسها لأعلى .. بددت شفتاها ترتعش ؛ وبعض أجزاء جسدها أيضا ؛ تنظر لى تارة وأخفى وجها تارة ثم تعيد القرة حتى تصلبت بنظرة شاخصة فيها بعينها لى قائلة :لقد اغتصبني ولقد اعتاد فعل ذالك الشيء بفظاظة !! اجبتها: وانا ارتقب خروج الكلمات من بين شفتاها مثل اب يرتقب ولادة طفل له بعد عقم طال دهره .. احكى لى : انى استمع اليك جيدا :نظرت فى ترقب وكأنها تقول بعيناها هل ستكتم السر . ربيت على كتفها .. لأطمأنها فطمأنت وراحت عيناها تطل على السماء و تحكى : كنا ثلاثة اخوات كلنا إناث كنت انا اصغرهم .. وكانت امى مريضه بالسرطان حتى توفتها المنية ؛ كانت امى حنونة جدا علينا تخاف علينا أكثر من ذاتها . وابدا ما تخيلنا أنها من الممكن أن تفارقنا فى يوم .. ولا نتخيل أيضا أن من الممكن أن يتزوج أبانا بواحدة أخرى تحل محل امى !! ولكن يوم جاء لنا وجمعنا نحن الثلاثة وقال لنا : اريد الزواج بأخرى لا استطيع الاستمرار وحيدا ” بعد شرود وذهول ونظرات لبعضنا البعض نطقت اختى الكبيرة قائلة له : نحن من سيعوضك عنها ونلبى احتياجاتك القذرة ولكن لا تجلب لنا امرأة تعيش مكان امى ؛ وقعت كلمات اختنا الكبيرة علينا مثل صاعقة من السماء !! وبدأ يضرب عقلنا الجنون ونسأل كيف ستلبى ما يطلبه أبى بعد رحيل امى كى لا يتزوج غيرها من احتياجات قذره. نعم الاثنين الاكبر منى سنا متزوجين ولن يعرف احد بما سيفعلانه مع أبى ولكن !! انا ما ذلت بكرا وافضل أن يقطع جسدي بسكين على أن يفعل أبى بى هذا الفعل الشنيع . لقد سقطت صورة اخوتى الكبار من نظرى حين اتفقا على ذالك كما بدا لى ابى كوحش جائع يريد أن يأكل أي شيء حتى لو كانت أولاده . ولا أظن حتى أن الوحش سهل عليها فعلتها ؟ اوقفتها سائلا إياها . هل وافق والدك على عرض ابنتيه له ؟ امأت برأسها بغضب نعم وافق !! بل وبدأ التناوب عليهما في ذالك اليوم الأمر الذى جعلني اسرع مهرولة إلى غرفتي وابكى فى هستيريا وخوف شديد ما كنت أتخيل أن اخواتى يحلون مكان امى فى أمر مقزز هكذا الشيء الذى كلما تخيلته ماعت أحشائي وتقيأت .. فقلت لها إلا لديك عما أو خالا يوقف هذه المهزلة والفحشاء ؟ اجابت لقد اخبروني ان فعلت ذالك واخبرتهم سيفعلون بى شئ شنيع ولكن كان لدى خطيبى الذى بدأ يلاحظ شحوب وجهى وبكائي المستمر وعدم الإجابة على اى من اسألته عن هذا الأمر .. اوقفتها هل كنتى مخطوبه حين كان اباكى يفعل هذه الفعله ؟ اجابت نعم فقلت كيف كانوا يعملانه ؟ قالت كانوا يخفون عنه اى شئ كى لا يلاحظ ذالك ولكن الأمر الغريب أن أبى كان يغير منه وكأنه حبيبى وليس أبى .. فقلت لها اظن ان هذا المكان كان لابد أن يجلس به اباكى وليس انتى ؟!! ولكن اخبرينى سؤال يجول بخاطري اباكى ليس شابا صغيرا كيف كان يستطيع فعل كل هذا معكم اجابت : اختى الكبيرة دكتورة صيدلة بعد أن اعتادوا على فعل ذالك الشئ والتناوب عليه هيا واختى الأصغر جلبو له بعض المنشطات والفيتامينات وفى ذات مرة رحلت اختى لأن زوجها قام بالاتصال بها وقال لها عليك الحضور الان وكان أبى قد تناول تلك المنشطات ورحلت هيا قبل أن تشبع رغباته المجنونة . فتسلل إلى غرفتى ولقد علمت من نظرات عينيه أن لا خير فى قدومه حك أنفه بأصابعه قمت أنا واقفة مفزوعه لقد عرفت ما ينوى .. قال هو اتريدين أن ألغى خطبتك سأفعلها أن رفضتى ذالك .. تساقطت الدموع من عينى فخطيبى هو حبيبى واملى الوحيد أن ينقذنى من ذالك الوحش المريض وتلك الحياة العفنة والبيت المملوء بالفجور اخبرنى أيضا أنه سيقوم بإيذائه صرخت به إلا يكفيك الاثنين الذين تتناوب عليهم .. سألتها لماذا لم تحاولين الصراخ حتى يحضر أحد الجيران ويأخذك من تلك الوحش ؟ قالت لقد حصل مرات عده ولكن كان يخطط هو لحدوث مثل هذا ولقد اخبر الناس وخطيبى والجيران انى مريضه بداء الشلل الرعاش واتناول دواء باركينول لذالك اصرخ كثيرا وقال لهم أيضا انها يهيأ لها اشياء كثيرة وما عرفته بعد ذالك أنه حقا كان يضع لى حبوب الباركينول المهلوسة فى الشاى وحين أتناول الشاى أرى خيالات واسمع اصوات كما يهيأ لى أن المكان جميعا قد امتلاء بالحشرات فأقوم مسرعة بقتلها ولقد قام بتصويرى أثناء وجود تلك المهلوثات داخل عقلى وكل من قال له لماذا ابنتك تصرخ هكذا يجعلهم يشاهدون الفيديو فيرحلون ويتركونى مع هذا الوحش .. الذى انقض عليا ماسكا بزراعى فتصلبت وقتها كأنى قطعه ثلج اصبحت كأنى لا أسمع ولا أرى فقط صورة امى وخطيبى امامى وكأنى أتوسل إليهما واقول سمحونى أنه دون إرادتى لم يكتفى الملعون بذالك بذالك .. اوقفتها قلت لها الوقت قد سرقنا بقصتك المثيره فلنكمل غدا لقد أصبحت على وشك الجنون مما تروي ..
مر يومين فقط حتى جاء موعد جلستها اخبرتنى الممرضة حين وصلت المشفى أن سلوى قد ساءت حالتها . على ما يبدو أنها تذكرت كثيرا من جراح الماضى الغائرة بداخلها فعادت الجراح تنزف من جديد . احيانا يفقد المريض شغف الحياة ويبدأ الخوف بداخلة يزداد حتى يقذف به فى عالم خال من البشر وربما يسيطر عليه هذا العالم فينعزل عن عالمه الحقيقي .. تسللت إلى غرفتها وجدتها فى حالة مزرية تتحدث لشخص غير موجود . ويصحب تعبيرات وجهها شحوب ما قبل الموت . وضرب الون الازرق شفتاها وبرزت أوردت يدها . لتعلن أن ميعاد الرحيل ربما قد اقترب ؟! توجهت نحوها فى حنو ماذا بك يا اجمل وأشرف نساء الكون ؟ ما حل بك جعلك فى شرود كأنك مع الأموات تجلسين !! عليكى أن لا تتركي روحك للمغادرة ما ذال الأمل موجود تستطيعين فعلتها .. توجهت لى بنظرات لن انساها ابدا لقد غارت عيناها قليلا الى الداخل وبرزت عظام ما حولها .. امتدت يدها نحوى تمسك براحة يدى وراحت تسألن وتقول :هل تعرف ما اصعب ما في الشيء يا دكتور ؟ قلت لها لا اعلم حقا ؟ فقالت أن ذالك الشيطان جعلن اعتدت الأمر هربا من تهيؤات الباركينول حتى انى اصبحت اشتاق أن يضاجعن ذالك الشيطان فى صورة اب !! لا تستعجب من ما اقول فالمخدرات تقلل حجم الفاجعة فى عقلك وتجعلها تبدو لك شيء تافه . كما تغير من عاداتك إلى الأسواء لقد أصبحت أنهر اختى الكبيرة حين لا تجلب لتلك الشيطان منشطاته حتى يستطيع العجوز إشباع رغبات مراهقة مثلى بل وجعلن ارتكب شيء اصعب من ذالك لقد جعلني استدرج خطيبي إلى غرفتي كى يحمل هو اوزار ما فعل أبى .. بل وجعلن أحرر له محضرا فى الشرطة باغتصابي لأنني أخبرته أن على ما يبدو قد علق فى رحمي نطفة من ابى !! وقد اعتقلته الشرطة . كما أرادني ان أجهض ما بأحشائي فقتلت نفسا ليس لها اى ذنب فيما يجرى من جنون !! لا تستعجب مما اقوله يا دكتور !! ان المخدرات تخلق بداخلك شخص آخر ربما لا تعرفه نهائيا اقول لك على سرا بعد مرور كثير من الايام نرتكب فيها زنا المحارم أصبحت نتسابق انا واخوتى على من يفوز بتلك العجوز اليوم حتى جاء يوم وانا انظف دولاب ملابسي و فتحت صندوق كان خاص بأمى رأيت به صورتها وهيا تحملن على أكتافها ضاحكة وتاره فى صورة أخرى تحتضنني وانا صغيره تذكرت حينها اشياء كثيرة فاعلتها امى من اجلى ؛ وكيف ابنتها التى من دمها ولحمها من لطخ فراشها مع زوجها وحل مكانها ؛ احسست فى لحظة ما انى ما عدت انسانه وقد سار بداخلى شئ من الشيطان ولابد أن اتطهر من كل تلك الجرائم التى جعلنى أبى ارتكبها ولن اتطهر الا بقتله دسست سكينا أسفل الوسادة على السرير الذى يضاجعنى عليه ؛ تهيأت له بدا مسرور حين رأنى هكذا!! ما استطاع أن يصبر على تناول طعامه واتجه بى داخل الغرفة جعلن أعلاه فاقتربت من وجه وامددت يدى أسفل الوسادة واحضرت السكين وفى لحظه رشقتها فى صدره حتى فار الدم فى وجهى أصدرت له عدة طعنات وانا مسروره ابتسم واضحك فى هستيريا ثم أحضرت صورة امى وجهتها نحوه بعد أن لفظ أنفاسه الأخيرة ثم خاطبتها ارأيتى يا امى لقد قتلت الشيطان الذى جعلنا نرتكب كل تلك الجرائم فى حقك وفى حقنا اليوم لن تحضرى لى ثانيا فى منامى وتقولى لى لماذا تفعلون هكذا ثم ذهبت إلى قسم الشرطة ومعى السكين ولكن يبدو أن الآثار الجانبية للباركينول هيا تشوش وفقدان ذاكرة قليلا لانه حين سألوني عن سبب الدماء ما تذكرت شئ المهم اننى اخرجت خطيبى أيضا من السجن لقد اعترفت لهم أنه لم يفعل بى شيء لقد رويت لك القصة كامله ولكن الآن أطلب منك طلب قبل أن تصعد روحى إلى السماء ربيت على يدها واخبرتها انى سأفعل وهذا وعد منى قالت إنه أمرا صعبا اولا اريدك ان تدفن جثتى فى مكان بعيدا عن مدفن أبى وتدفنى بجوار امى وثانيا: اريدك ان تأخذ حبة من دواء البركينول لتتأكد أن ما رويته لك كان حقيقيا انتظر لديا واحدة خذها ضعها معك وتناولها حين تريد فعل ذالك . اخذتها منها ووضعتها فى جيبى ثم بدأ عليها شرود غريب حتى وجدتها ترحب بأمها التى لا أراها انا داخل الغرفة وتبتسم مع هبوط الدموع من جوانب عينيها وهيا تقول مرحبا امى لقد اشتقت اليكى كثيرا سامحيني ثم مددت يديها تسلم عليها حتى سقطت يدها فجأءة مع شخوص عينيها علمت أنها قد فارقت الحياة !! أغمضت عينيها وتذكرت فورا الوعد ولكن ما تطلبه يحتاج لجرئة تفوق عادة شخصي فأخرجت حبة الباركينول وتناولتها وخرجت خارج الغرفة أشعلت سيجارتي استعداد لإنهاء اوراق دفنها ونظرت إلى حوائط وجدران المشفى الكبيرة وكم من حكايات دفنت داخل الصدور وراء تلك الجدران لا احد يعلمها فقط ننظر لهم كمرضى نفسين ولا نبالى فطوبا لمن فقد عقله من قهر الايام والبشر لقد كانت صادقة فى كل ما اخبرتنى به لقد علمت ذالك حين بدأ مفعول الباركينول يسيطر على عقلى انى أرى الان الحشرات تتصاعد على الجدران بجانبى
تمت بحمد الله
تابعوني على الصفحة الشخصية ليصلك كل جديد من القصص والمقالات
Discussion about this post