صاحب الشياكة اللحنية وكروانة الشرق .
بقلم : سلمى صوفاناتي
في ليلة تتنفس فيها دمشق عبق الماضي الحميم .. تتوشح بأطياف ذكريات الذهب العتيق .. اجتمع المحبون تحت قبة المنتدى الإجتماعي ، وسط أجواء مميزة تليق بعباقرة الزمن الجميل . هناك .. حيث يقود الباحث الموسيقي عثمان الحناوي .. والمؤلف الموسيقي إيهاب المرادني .. رحلة أسطورية إلى عالم الجمال والإبداع .. عالم محمد سلطان وفايزة أحمد .. ذلك الثنائي الذي حول الألحان إلى أناشيد خالدة ، والمقامات الموسيقية إلى حدائق غناء ، يرتع بها كل محب . قدمت الدكتورة المتألقة حنان عاصي بداية تلك الأمسية الرائعة وقامت بالترحيب بالضيوف الكرام .
لقاء المصير .. عندما تصافح الأقدار الفن الأصيل :
في ركن هادىء من منزل الموسيقار الراحل فريد الأطرش .. حيث تتراقص أنفاس الكلمة والمغنى ، على أوتار العود .. التحمت الأرواح .. عبقري اللحن والنغم ، يبحث عن صوت يليق بأحلامه ، وساحرة صوتية .. تبحث عن لحن يعانق سماوات موهبتها .
كان محمد سلطان ، ينسج أحلامه بين عباقرة النغم ، عبد الوهاب والسنباطي والأطرش .. حتى وهبه القدرة جوهرة نفيسة ” صوت فايزة أحمد ” ذلك الكريستال السحري الذي وصفه عبد الوهاب ، بأنه هدية السماء للأرض .
لم تكن فايزة أحمد مجرد زوجة ، بل كانت شعلة إبداع .. أضاءت سبعة عشر عاما من العطاء . تركت لنا إرثا فنيا غنيا مثل : تعال شوف ، خليكو شاهدين ، غريب يازمان ، ياما إنت واحشني .. أغاني تعشش في وجداننا ، لا يبليها مرور الأعوام .
محمد سلطان .. ساحر النوتات الذي أسر القلوب ..
لم يكن مجرد ملحن عادي . بل كان ساحرا يحول السكوت إلى أغان ، والصمت إلى سيمفونيات . وينتقي لأعماله الخالدة جواهر الزمن الجميل . أهدي إلى العالم كنوزا لاتفنى مثل : لو كنت غالي لهاني شاكر .. والحب اللي عايشاه لسميرة سعيد ..وقدام عينيك لميادة الحناوي .. وحاسب عاقلبي لمحمد ثروت .. كما نسج للموسيقا التصويرية سحرا خاصا في أفلام مثل : التوت والنبوت .. و النمر والأنثى .. وكأنه كان يكتب سيرة الضوء للشاشة الفضية .
فايزة أحمد .. كروان الشرق الذي غرد خارج السرب .
سميت كروان الشرق .. وقال عنها أنيس منصور كلمته الخالدة :
رحلت وهي تجهل أن صوتها كان الأعذب بعد كوكب الشرق .. بدأت مشوارها من أزقة دمشق ، لتتألق في سماء القاهرة بأغنيتها الخالدة ” أنا قلبي ليك ميال ” ثم تتوجت بأمجاد . يمه القمر عالباب وست الحبايب وماتحبنيش بالشكل ده ..
صوت كأنه .. ندى الفجر .. يعانق السحاب بنقائه . غنت لعمالقة مثل : عبد الوهاب وبليغ حمدي وفريد الأطرش .. وارتبطت بكبار الشعراء أمثال : نزار قباني وعبد الله الأبنودي .. ورغم قلة أعمالها السينمائية ، إلا أن أفلاما مثل .. تمر حنة .. والمليونير الفقير .. حفرت اسمها مع الخالدين في ذاكرة الفن .
الرحيل الجسدي .. والخلود الفني ..
غابت ” فايزة ” جسدا عام ١٩٨٣ لكن صوتها مازال نداء يوقظ المشاعر .. بينما رحل سلطان عام ٢٠٢٢ ، تاركا ورائه ” موسيقى تتحدى النسيان ”
هكذا يصنع العباقرة تاريخهم .. يغيبون بأجسادهم .. لكنهم يخلدون بأعمالهم ليظلوا شموسا تشرق كلما عزفتها الأوتار . وتذكرنا أن الفن الحقيقي لايموت .. إنما يتحول إلى أسطورة حية يخلدها التاريخ .







































Discussion about this post