الناقدة كوثر بلعابي في تحليل لقصيدة : (( شـباب الـيــوم ))
للشّاعر … يوسف عصافرة
ما أحوجنا كأمّة عربيّة في هذه المرحلة القميئة من تاريخنا إلى ثقافة هادفة وفكر وأدب مُجدٕيَين بما يشدّ أزر المقاومة السّياسية والعسكريّة لأعداء الدّاخل والخارج الذين تكالبوا على وطننا العربي بالتّقسيم والاستنزاف لثرواته وعلى مواطنينا بالتّشريد والتّقتيل وعلى مجتمنا بالتّفقير و التّجهيل والتّهديم للوعي الفردي والجمعي بأهمّية قيمنا الأصيلة وهويتنا الحضاريّة والوطنيّة .. ومن أخطر ما تتعرّض له أمّتنا اليوم من مظاهر الاعتداء استهدافُ شبابها إمّا عن طريق استقطاب العباقرة منهم والكوادر ليهدروا ذكاءهم ومهاراتهم وجهودهم في بناء بلدان الأعداء أو عن طريق هدم منظومة القيم والمُثل في أذهانهم ودفعهم بشتّى الطّرق إلى التًفسّخ والانبتات عن شخصيتهم الحضاريّة الأصيلة .. وهذا ما جعل أحرار النّخبة المثقّفة يجنّدون وسائلهم لمواجهته بالتنبيه و التّحذير و التّشهير والتّنفير ..
في هذا السّياق تتنزّل قصيدة :” شباب اليوم ” للشّاعر “يوسف عصافرة”
وهي قصيدة عمودية بائيّة على وزن البحر الكامل انفعالية الإيقاع حماسيّة الخطاب احتجاجيّة المضمون حمّلها مبدعها رسالة ادبية غاضبة إلى شباب اليوم مُشرّعا لغضبه بصور مفصّلة تجسّد ما ألمّ بالكثير من الشّباب العربي إن لم نقل بأكثرهم من ضياع وتفسّخ وركون إلى الميوعة والوضاعة وإهمال للعمل الوطنيّ ..
أبرز ما يطرق ذهن القارئ وهو ينظر في هذه القصيدة النزعة الانفعاليّة شديدة اللّهجة التي تظهر على مستوى الإيقاع سواء في اعتماد تفعيلة البحر الكامل التي جاءت في أغلب الأحيان بزحاف (( مُتْفاعلن بدلا عن مُتَفاعلن )) ممّا يوتّر تناسب الأصوات و يجعلها أكثر شدّة وحِدّة خاصّة في مُجاورتها للرّويّ الانفجاري المقيّد بالسّكون (( الباء )) والذي تواتر صداه بكثافة في جميع ابيات القصيدة فباتت نغميّة صوت الباء مسيطرة مجسّدة لِ (( بأبأة )) الغضب .
أمّا الخطاب الشّعري فقد قام على حركات إبداعية ثلاث هي التي أنشأت الطابع الحماسي الغاضب وتحكّمت في مستويات التّصرّف في اللغة الشّعريّة والصّور حسب مُقتضى فحوى الرّسالة الأدبيّة :
* الحركة الأولى هي الوصف المشهدي الذي اعتمد معجما قيَميّا سلبيا مكّن الشّاعر من تقديم صورة الشباب الضّائع انطلاقا من بعض تفاصيل واقعه المَعيش وقد أضفى عليها شكلا كاريكاتوريّا مُثيرا للاشمئزاز (( حلقوا الشّوارب … بالرّقص هزّوا خصرهم … العقل أبيض فارغ من علمه … مائع متخنّث …)) وقد تمّ تركيب هذا المعجم على المفارقات التي جعلته أكثر حدّة في آداء المعنى (( الشّباب تزيٌنت وتعطّرت … النّساء لها شنب … )) و كذلك على بلاغة التشبيهات والمجازات الغريبة مِمّا ولّد مسحة من السّخرية النّاقمة التي تُنَفّر من هذه النماذج من الشباب وتضعها في مرتبة دونيّة غير جديرة بالتقدير ولا بالاقتداء (( القدّ قدّ غزالة ممشوقة … حسدوا نساءهم فتكحّلوا … في ساحة الأعداء أقدامه تهوى الهرب… ))
* الحركة الثانية هي المناجاة والشّكوى التي عبرها كان الاستحضارُ المجازي للجغرافيا (( فتزيّني بالنصر والأعياد يا بلد العرب )) وللتّاريخ (( قم يا صلاح الدين …)) يُشهدهما الشاعر على ضياع شباب أمّة العرب وخذلانه للأمجاد والبلاد حتى بات جزءٔ من نكبة الأمّة يشكّل خطرا على مستقبلها يُضاف الى خطر الاستعمار المباشر وغير المباشر بدلا من أن تعلّق الأمّة على كاهله آمالها في مستقبل الوطن .
* الحركة الثالثة هي الإفحام والاستفزاز الذين أدّاهما أسلوب الإنشاء في لهجة استياء تُمعِن في اتهام الشّباب وتعمّقُ إشعاره بالذّنب (( هل من طبيب للرّجولة ؟؟ عذرا شباب الحقّ إنّي ظامئ للجيل يرفع راية … ))
كمحاولة للتّصبّر والتّأسّي على أمل أن يثوب الجيل إلى رشده قبل فوات الأوان وكأنّنا بالشّاعر يُمنّي نفسه بأن يتغيّر الجيل ويحمل لواء الوطن بغضب في وجه المعتدين وفي وجه الجهل وكلّ مظاهر التخلّف . شعاره في ذلك أورده في أسلوب شاعريّ الحكمة يلائم تماما طبيعة الخطاب الحماسي للقصيدة (( نعم الرّجال على الحياة لها طلب ))
هكذا جاءت رسالة الشّاعر يوسف عصافرة الغاضبة المستفزّة بلهجة مختلفة عن سابقيه من مشاهير الشعراء الذين وجّهوا رسائل شعريّة حماسيّة الى الشباب (( مثل الأخطل الصّغير في قصيدته : نحن الشّباب .. و أحمد شوقي في قصيدته : يا شباب الغد )) إذ لم تقنع باستنهاض همم الشّباب وزرع الأمل في نفوسهم والتغني بشجاعتهم وقوّة عزمهم … إنّما اعتمدت بيداغوجيا الإرباك والإفحام عن طريق التّشهير والتّشويه لما هو كائن ومرفوض بشكل يدفع إلى تمثُّل المفروض وهذا ربّما استوجبته طبيعة المرحلة و أيضا الوظيفة النّضاليّة للشّعر الحماسي التي اصبحت اليوم أكثر خطورة و اشدّ ضرورة..
بقلم : كوثر بلعابي ( تونس )
شـباب الـيــوم …
فـي ســاحــة الجـهـلاء يُفتَقدُ الأدب
للرّقص يعـشـقُ والجـمـالُ لـه سـلبْ
والعـــلم في الأوطـــان يبكي لــوعةً
والدِّين أضحى في المساجد ينتحبْ
حـسـد الـشّـباب نـسـاءهم فتكـحلوا
وعلى الرّؤوس شعورهم تجد العجبْ
حلـقوا الـشّـوارب واللّـحى مفقـودة
وعلى الـشّـفائف حمــرةٌ قــد ترتقبْ
بالرّقــص هـزوا خـصـرهم طــرباً لنا
والجــيب بالبنــطال يعـلوه القصـبْ
والعـــقـل أبيـض فـــارغ من عـِـلمِـهِ
والقلب يعرف كـل مـا وجب الطّربْ
والقـــدُّ قـــدُّ غــــزالــة ممــشــوقــةٍ
من كثـــرة الـهـــزات أعـــياه التَّـعبْ
فـي ســاحة الأعــداء يلـقي ســـيفه
يوم اللـــقا أقـدامـه تهــوى الـهـــربْ
هٰـــذي شـــبابك أقــبـــلت فتــزيَّـني
للنّـصــر والأعــياد يـا بـلـــد العـــربْ
قُـم يــا صــلاح الدّيـن وانظـر ذلّـــنا
سار الشّـباب إلى الجــهاد بلا عصبْ
هٰـــذي الـشـّـباب تزينـت وتعــطـرت
فقدوا الرّجـولة والنّـســاء لها شــنبْ
بِـنــتٌ وشـــــبٌ مــــائِــــعٌ مُتَــخَنِّثٌ
في ساحة الأعــراس تنحذف الرُّتبْ
الكـــــلُّ يـســمع للــغـــــناءِ بِـلـهــفَـةٍ
لا يفــهم القـول المُقَال كَــما يجــبْ
فـاســتأثر التـرديـد خــلـف مُخَـنَّـثٍ
عرف الغــناء على الطّـبول بِـلا أدبْ
صــــار التَّـعـــري للــشـّـباب تقدُّمــاً
ضيق الثّياب على الجسوم بها صُلبْ
فــي الأذن يلبــس حَلَقَةً مزيــونــةً
في الصّـدر سلسالٌ عـلاهُ من الذهبْ
هـــل من طبـيبٍ للرّجـــولةِ قـاتـــلٌ
مـا عـــاد فيـنا للرّجـــولة من سـببْ
عـــذراً شــباب الحـــقِّ إنِّـي ظ.ـامِئٌ
للجــيل يرفـــع رايـــة وبــه غَـضـبْ
النّـفــس ترنـو للــشّـباب كـــريــمـةً
نعم الرّجال على الحـياة لها طـلب
بقلم الشاعر … يوسف عصافرة








































Discussion about this post